الخشوع بشكل عام يتمثل في كيفية تحقُّق تذلُّل القلب، وخضوعه، وانكساره لله -سبحانه-، كما جاء في كتابه العزيز -: (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ).
أما الخشوع في الصلاة ، فيأتي في سياق تفاعل المصلي بشكل تام مع ما يقرؤه ويتلوه ويؤدّيه في الصلاة، فيشعر أنه في صلة مع الله -عز وجل- أثناء صلاته، كما يُعرَّف الخشوع في الصلاة كذلك بأنّه: قبول القلب للحقّ، والانقياد إليه، والخضوع له إن خالف هواه، وبخشوع القلب يتحقّق خشوع الأعضاء، والجوارح؛ وليس أدل علي أهمية الخشوع في الصلاة أن الخشوع ارتبط في القرآن الكريم بالصلاة، في كثير من المواضع كما وردت مطلقة في الكثير منها .
ومن الثابت أن هناك عديدا من الأمور تعين علي الخوع في الصلاة منها أمور التي تُعين المسلم على تحقيق الخشوع في الصلاة كثيرة، الابتعاد عن حديث النفس، والتفكير في أمور الدنيا، ويركّز تفكيره في صلاته. ينظر إلى موضع سجوده وهو قائم، وينظر إلى حِجره وهو جالس، ولا ينظر إلى السماء عندما يدعو الله.
وكذلك يرتبط الخشوع في الصلاة بالتقليل الحركة والالتفات أثناء صلاته، ولا يرفع كُمّه، ولا يتقصّد الإتيان بالأمور المباحة في الصلاة. يكشف وجهه أثناء الصلاة، إذْ تُكره الصلاة باللِّثام. يقرأ ما تيسّر له من القرآن، ولا يَعُدّ آيات القرآن التي يقرؤها؛ لأنّ ذلك يُؤثّر في خشوعه. يضع أمامه حاجزاً يمنعه من مشاهدة شيء يلهيه،
ومن المعينات علي الخشوع في الصلاة أيا تذلل العبد المؤمن لله - أثناء ركوعه؛ ابتداءً من هيئة الخشوع؛ من انحناء الظهر والجبهة، ثمّ التفكُّر في عَظَمة الله -تعالى-، وملكوته، وسُلطانه، وكبريائه، وفي المقابل تقصير المُصلّي، وذنبه، وفقره إلى الله -تعالى-، فيقرأ من أدعية الركوع: (اللَّهُمَّ لكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لكَ سَمْعِي، وَبَصَرِي، وَمُخِّي، وَعَظْمِي، وَعَصَبِي)،
ومن أهم المواضع في الصلاة التي تكرس الخشوع لله عند الرفع من الركوع يقول: "سمع الله لمن حمده"، ويتفكّر في أنّه مهما حمد الله -تعالى- فلن يُؤدّي شكر النعم الكثيرة، وهذا يزيد من خشوعه. يستحضر المُصلّي قُربه من الله -تعالى- أثناء سجوده؛ لقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم: "أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربِّه و هو ساجدٌ، فأكثروا الدعاءَ" باعتباره موضع استجابة الدعاء، ورفع الدرجات، ومغفرة الذنوب. يستحضر المُصلّي معنى التشهُّد؛ لما يشتمل عليه من معانٍ عظيمة؛ من السلام، وإلقاء التحية على ربّ الوجود، وعلى رسوله الكريم، وعلى عباده الصالحين.
وفي نفسك السياق هناك حزمة من الأسباب التي تُساعدُ المسلمَ على الخشوعِ في الصّلاة منها تقديمِ السننِ على الفرائضِ؛ ففيها من اللطائفِ والفوائدِ الشيءَ الكثيرَ، ذلك أنّ النفسَ البشريةَ تتعلقُ بأمورِ الدنيا وأسبابها، فيبتعدُ القلبُ ويذهبُ الخشوعُ في الصلاةِ، فإذا قدَّم المسلمُ السننَ على الفريضةِ فإن النفسَ تأنسُ بالعبادةِ، وتتكيّفُ بالخشوعِ، فيدخلُ في الفريضةِ بحالةٍ أفضل ممّا لو دخلَ الفريضةَ من غير تقديمِ السُنّةِ:
وهناك حالة من الإجماع بين العلماء والفقهاء على أنّ ما يساعدُ المسلمَ على الخشوعِ في الصلاةِ والخضوعِ للهِ -عز وجلَّ- غضُّ البصرِ عما يُلهي، وكراهةُ الالتفاتِ ورفعُ البصرِ إلى السماءِ، فيُستحَبُّ للمصلي أن ينظرَ إلى موضعِ سجودهِ إن كان قائمًا، والنظرُ إلى قدميهِ أثناءَ ركوعهِ، وفي حالِ سجودهِ إلى أرنبةِ أنفهِ، وفي حالِ تشهُّدهِ يُستحبُّ النَّظرُ إلى حِجرهِ.
- ومن الأسباب الداعمة لاستحضار الخشوع في الصلاة معرفة كيفيّة صلاة النبي -عليه الصّلاة والسّلام-؛ حيث كان إذا دخل في صلاته طأطأ رأسه ورمى ببصره إلى موضع سجوده.
وكذلك على المسلم معرفة أحوال السلف الصالح من الصحابة -رضوان الله عليهم- وخشوعهم في صلاتهم؛ لأنّ ذلك يزيد من حبّه لصلاته وخشوعه، فهم يعبدون الله -عز وجل- كأنّهم يرونه، وهو أعلى وأعظم درجات الإحسان في العبادة، فهذا أبو بكر -رضي الله عنه- يبكي في صلاته، والتابعي عروة بن الزبير يخبر الأطباء بقطع رجله عند دخوله في الصلاة لأنه لا يشعر بذلك لشدّة تعلّقه بالله -عز وجل- و خشوعه في صلاته
وعن كيفية الوصول لمرحلة الخشوع في الصلاة يري أهل العلم ، إن الإنسان إذا لم يخشع في صلاته فلا يشعر بحلاوة هذه الصلاة؛ فتصبح عادة بدلا من أن تكون عبادة بل ويسهل ساعتها ترك العبادة عندما نغفل، وعندما تشتد علينا الأمور؛ فننشغل في مرض الولد, وذهابهم إلى المدارس, ودخول المواسم..
جمهور العلماء يرون أن المشكلة التي تحول بين العبد المسلم والخشوع تتمثل في قيام الإنسان بتحويل عبادته إلى مجرد عادة؛ موضحًا: "نريد أن نشعر بلذة العبادة, ولن نشعر بلذة الصلاة إلا بكثرة الذكر خارج الصلاة ذكر الله كثيرًا خارج الصلاة، شديدا الأهمية وهو ما ورد قوله تعالى: «إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ".
مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، تحدث عن أجر وثواب الخشوع في الصلاة بالقول إن جمهور الفقهاء ذهبوا إلى أن الخشوع في الصلاة ليس من أركانها، ولكنه من لوازمها فلا تبطل الصلاة بتركه، ولكن ينقص الثواب بقدر ما تفقده من خشوع.
واستشهد المركز علي ذلك بما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّي، فَمَا يُكْتَبُ لَهُ إِلاَّ عُشْرُ صَلاَتِهِ ، فَالتُّسْعُ ، فَالثُّمُنُ ، فَالسُّبُعُ ، حَتَّى تُكْتَبَ صَلاَتُهُ تَامَّةٌ".
اقرأ أيضا:
هل تعرضتِ للخيانة الزوجية؟.. "أم حبيبة" رأت ما هو أبشع فكيف عوضها ربها؟ وذهب بعض الفقهاء إلى أن الخشوع واجب من واجبات الصلاة وتبطل الصلاة بتركه، ولكن الراجح ما ذهب إليه الجمهور بعدم بطلانها لكن على المرء أن يتحرى الخشوع في صلاته حتى يغنم منها بالأجر العظيم من الله لقوله تعالى: "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ "1" الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ "2" وأن يتدبر ما يقرأه من الآيات القرآنية