من منا لا يعجبه منظر النجوم في السماء؟.. بل منا من يتمنى لو كان نجمًا في السماء.. والنجم هنا في زماننا يعني الشهرة في مجال من المجالات الفنية أو الكروية، لكن هناك نجوم لا يعلمها سوى الله عز وجل، فهم في الليل نجوم ،لا يراهم إلا الله عز وجل.. فما أجملها من شهرة.. فقيام الليل إنما هو مدرسة العظاء، وسبيل العارفين بالله، وهوى وعشق الباحثين عن الشهرة يوم القيامة.. يوم يختارهم ويميزهم عن الباقين.. إنها مدرسة العظماء، والأصفياء، التي تخرج فيها صفوة الصفوة من الأولين، والآخرين. ولو لم يكن في قيام الليل من الفضل إلا أن الله تعالى ربط به تشريف محمد صلى الله عليه وسلم بالمقام المحمود، لكفاه شرفاً وفضلاً، إذ قال: «وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا» (الإسراء:799، وهي الشفاعة العظمى، يوم القيامة.
عشق جوف الليل
لجوف الليل من يعشقه، وليس هؤلاء ممن يضيعون أوقاتهم فيما لا يفيد، وإنما هم علموا يقينًا ما هو المفيد، فوقفوا بين يدي الله عز وجل يناجونه، يبكون ويبتسمون.. يشتكون ويرجون، يتمنون ويحلمون.. ففتساقط عنهم ذنوبهم كما تتساقط أوراق الشجر في الخريف، وتلبسهم التقوى واليقين كما تلبس الجبال جوف الأرض.. فلا تستطيع أن تصل إلى نهايات الجبل في أسفل الأرض، كما لا تستطيع أن تصل إلى نهاية ليقين هؤلاء في الله عز وجل.. والسر في ذلك أن العبد يمنع نفسه ملذات الدنيا، وراحة البدن، ليتعبد لله تعالى، فيعوضه الله تعالى خيراً مما فقد.. وذلك يشمل نعمة الدين، وكذلك نعمة الدنيا، ولهذا قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «وأربعة تجلب الرزق: قيام الليل، وكثرة الاستغفار بالأسحار، وتعاهد الصدقة، والذكر أول النهار، وآخره».
اقرأ أيضا:
أعاقب أطفالي بمنعهم من الأطعمة التي يحبونها.. هل تصرفي خاطيء؟الأكثر قوة
كثير من الناس الآن يسهرون في الجيم، بحثًا عن القوة الجسدية، بينما يرى العلماء أن الأكثر قوة هم من يقفون بين يدي الله يتعبدون يرجون رحمته، في وقت ينام فيه الجميع، ولهذا لا تجد أصح أجساداً من قوَّام الليل، ولا أسعد نفوساً، ولا أنور وجوهاً، ولا أعظم بركة في أقوالهم، وأعمالهم، وأعمارهم، وآثارهم على الناس.. وذلك أنهم يخلون بالله تعالى في وقت القبول والإجابة، إذ يقول: «من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له».. ولهذا السبب يحبب إليهم قيام الليل، حتى إنهم ليحبون الليل، ويشتاقون إليه، أشد من اشتياق العشاق للوصال.. فكيف لا تكون واحدًا منهم وأنت من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم؟!.