لا ينبغي أن يعيش المؤمن كغيره في الحياة لكنه مطالب بطهارة ظاهره وباطنه حتى يكون مثالا للخير نافعا لنفسه وغيره.. ولا يتحقق له هذا إلا بنقاء سريرته وخلو قلبه مما قد يعلق به من أمراض.
منزلة طهارة النفس:
لو صح أن تعقد مقارنة بين طهارة الداخل وهي طهارة الأبدان وبين طهارة الداخل وهي طهارة القلب فإن
طهارة القلب أولى بالرعاية إذ بها صلاح الإنسان وفي الحديث (رُبَّ أَشعَثَ أَغْبرَ ذِي طِمْرَينِ مَدفُوعٍ بالأبوابِ لَو أَقسَمَ على اللهِ لأَبَرَّهُ)، وفي حديث آخر أن الله تعالى لا ينظر إلى الصور ولا إلى الأجساد، ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال، ولأن الله تعالى قد علَّق النجاة يوم القيامة بسلامة القلوب: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88، 89]، والقلب السليم هو القلب السالم من الشرك والغل والحقد والحسد وغيرها من الآفات والشبهات والشهوات المهلكة، وقد سألوا رسول الله صَلى الله عليه وسلم عن أفضل الناس، فقال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان". قالوا: صدوق اللسان نعرفه؛ فما مخموم القلب؟ قال: "التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد".
وفي هذه الحياة قد يرى بعضنا أناسًا فيرغب أن يصاحبهم أو يحادثهم لمجرد هيئتهم برغم أنهم قد يكونون أصحاب حظ وافر مع الله فالحكم على الظاهر فقط غير دقيق وهذا بالطبع لا ينافي الاهتمام بالخارج فديننا دين العفة والطهارة لكن الفقر أحيانًا يضع أناسًا موضع التهم.
سلامة الصدر من أسباب السعادة:
من يتأمل الخلافات المجتمعية أو التي تحدث بين الأقران و الجيران يجد معظمها تدور حول آفات القلوب التي تكون مانعا للألفة والمودة وبهذا ل يلزم لشيوع السعادة أن نتخلص أولا وقبل كل شيء من أمراض القلوب ، أي طهارتها من الغل والحقد والبغي والحسد.
سلامة الصدر من صفات أهل الجنة:
ومما يدل على أهمية
سلامة الصدر من الأمراض وأن طهارتها من أسباب نجاة العبد ما روي من قصة عبد الله بن عمرو مع ذلك الرجل والقصة بطولها يرويها أنس بن مالك حيث قال: كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه، قد تعلق نعليه في يده الشمال، فلما كان الغد، قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث، قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت أبي، فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت، قال نعم، قال أنس: وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث، فلم يره يقوم من الليل شيئا، غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه، ذكر الله عز وجل، وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا، فلما مضت الثلاث ليال -وكدت أن أحتقر عمله- قلت: يا عبد الله؛ إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر ثم، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث مرار، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به، فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا، ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق.
أثر سلامة الصدر على الفرد والمجتمع:
إن من يجاهد نفسه ألا يبت غاشا لأحد ولا حاسد له ول في قلبه لغير حقدا فإنه بذلك يكون قد بلغ منزلة عالية من الإيمان فيفوز بلقب صاحب الصدر السليم، وهذه الصفات تؤهله وتميزه لأن يعيش في المجتمع بشكل آمن مستريح البال وتحقق له ما يلي:
-خلو البال من المقارنات وإشغال التفكير في ما عند الناس.
-يريح قلبه من الهموم والغموم.
- يبتعد كثيرا عن الخلافات وأسباب النزاع القائمة بسبب الحسد والغش .
- يتفاعل مع غيره لا لمصلحة له بل لله وبهذا يحصل التآلف بين المؤمنين في المجتمع الواحد يقول صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمى".
سلامة الصدر في القرآن:
مما ورد عن
سلامة الصدر في القرآن وماذا يحدث لوغاب ما ذكره الله تعالى عن نبي الله يوسف عليه السلام وأخوته بعد أن ألقوه في الجب وفرقوا بينه وبين أبيه ودخوله السجن إلى غير ذلك مما هو معروف مكن الله له وجعله على خزائن مصر فلما ترددوا عليه وعرفوه قالوا:
(تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ). فما كان منه إلا أن قَال: ( لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ). ما حمل غلا.
ثم لما جاء أبوه مع اخوته: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (يوسف:100)
فلم يقل أخرجني من الجب كي لا يُخجلهم (وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ)، ولم يقل رفع عنكم الجوع والحاجة حفظًا للأدب معهم. (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) فأضاف ما جرى إلى السبب ولم يضفه إلى المباشر (إخوته).. فالأحقاد التي في قلوب إخوته هي التي دفعتهم لفعل ما فعلوا ولولا أنهم تابوا وندموا لخسروا خسرانا مبينا.
كيف تكون سليم الصدر؟
ولكي تكون سليم الصدر عليك بما يلي:
-كثرة الدعاء لله تعالى بأن يرزقك قلبا سليما خاشعا ، وكان من دعاء نبينا صلى الله عليه وسلم :(وأسألك قلبًا سليمًا)، فمن رزق الدعاء فإن الإجابة معه. كما أثنى الله على المؤمنين لدعائهم:(وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا).
-إحسان الظن بالآخرين يقول عمر :لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً، ويقول الشافعي: من أراد أن يقضي له الله بخير فليحسن ظنه بالناس.
-التمس العذر لإخوانك، يقول ابن سيرين: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا فإن لم تجد فقل: لعل له عذرًا لا أعرفه.
-إذا دفعتك نفسك على الحقد والبغض لغيرك فهب إحسانه لإساءته واصبر عليه.
-تجاوز لله تعالى لا لمصلحة البشر وادفع بالتي هي أحسن، قال الله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت:34).
- ابتعد عن أمراض القلوب مثل الغيبة والنميمة وتجنب كثرة المزاح وتجنب عقد مقارنات.
-ارض بما قسمه الله لك؛ فالأرزاق مقسومة مكتوبة رضي بما هو فيه ولم يجد في قلبه حسدا لأحد من الناس على خير أعطاه الله إياه.
9- وأخيرا تذكر حال النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يشكر ربه على النعم التي أنعم بها حتى على غيره من الخلق حين يصبح وحين يمسي.