للعبّاد و صحاب الكرامات حكايات ووقائع غيبة، ومن ذلك ما وقع مع أبي عبد الله القلانسي رحمه الله.
وقد كان من كبار القوم، قيل: ركب البحر في بعض سياحته، فعصفت عليهم الريح في مركبهم، فدعا أهل المركب وتضرعوا ونذروا النذور.
فقالوا لأبي عبد الله: كلنا قد عاهدنا الله ونذرنا إن نجانا الله، فأنذر أيضا أنت وعاهد الله عهدا، قال: أنا متجرد من الدنيا، مالي والنذر، قال: فألحوا عليّ فقلت: لله علي إن خلصني الله مما أنا فيه أن لا آكل لحم الفيل.
فقالوا: ما هذا النذر؟ وهل يأكل لحم الفيل أحد؟ فقلت: كذا وقع في سري وأجرى الله على لساني.
يقول: انكسرت السفينة، ووقعت في جماعة من أهلها إلى الساحل فبقينا أياما لم نذق طعاما، فبينما نحن قعود إذا نحن بولد فيل فأخذوها فذبحوها فأكلوا من لحمها وعرضوا عليّ أكله، فقلت: أنا نذرت وعاهدت الله أن لا آكل لحم الفيل، فاعتلّوا علي بأني مضطر ولي فسخ العهد لاضطراري فأبيت عليهم وثبت على العهد.
اقرأ أيضا:
أبو بكر "قلب الأمة الأكبر" بعد النبي و" أمير الشاكرين"ويضيف: فأكلوا وامتلئوا وناموا، فبينما هم نيام إذ جاءت الفيلة تطلب ولدها وتتبع أثرها، فلم تزل تشتم الرائحة حتى انتهت إلى عظام ولدها فشمته، ثم جاءت وأنا أنظر فلم تزل تشم واحدا واحدا، فكلما شمت من واحد رائحة اللحم داسته برجلها أو بيدها، فقتلته حتى قتلت كلهم، ثم أقبلت إلي فلم تزل تشمني، فلم تجد مني رائحة اللحم فأدارت مؤخرها وأومأت إلي بخرطومها أن اركب، فلم أقف على ما أومأت، فرفعت ذنبها ورجلها، فعلمت أنها تريد مني ركوبها فركبتها، فاستويت عليها وأومأت إليّ أن استوي فاستويت على شيء وطيء فسارت بي سيرا عنيفا إلى أن جاءت بي في ليلتي إلى موضع زرع وسواد فأومأت إلي أن انزل، فنزلت برجلها حتى نزلت عنها، فسارت سيرا أشد من سيرها بي، فلما أصبحت رأيت زرعا وسوادا وناسا فحملوني إلى ملكهم.
وسألني ترجمانه، فأخبرته بالقصة وما جرى على القوم، فقال لي: تدري كم المسير الذي سارت بك الفيلة؟ فقلت: لا، فقال: مسيرة ثمانية أيام، سارت بك في ليلة واحدة، فلبثت عندهم إلى أن حملت ورجعت.