القرآن.. كتاب عظيم يتضمن إعجازًا بلاغيًا لا مثيل له في التاريخ البشري كله، فترى أحيانًا كلمة أنت تعرف معناها جيدًا، لكنها مستخدمة لتكون معنى آخر غير معناها المعتاد.. ومن ذلك كلمة (ننظر)، والمعنى المباشر لها هو (نرى) أو (نبصر)، لكن انظر في سورة النمل جاءت بعدة معاني مختلفة كلها تحمل إعجازًا عظيمًا يجب أن تتوقف أمامه كثيرًا.
في بداية السورة يقول المولى عز وجل: «سَنَنظُرُ "أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ» (٢٧ النمل )، والمعنى هنا ليس الدارج أو المباشر (نرى)، وإنما تعني أننا «سنتيقن» إن كنت صادقًا أم كاذبًا.. ثم الآية التي تليها يقول المولى عز وجل: «اذْهَب بِّكِتَابِي هَٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ" فَانظُرْ "مَاذَا يَرْجِعُونَ» (٢٨ النمل )، والمعنى هنا مختلف تمامًا عن المعنيين الأول، لأنها جاءت بمعنى " فاسمع " ماذا يرددون بعد أن ألقي إليهم الكتاب.. وبعدها بقليل يقول المولى عز وجل: «قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ "فَانظُرِي" مَاذَا تَأْمُرِينَ» (٣٣ النمل ).. وكلمة انظري هنا جاءت بمعنى "دبري أمرك ".. ثم يقول المولى عز وجل: «وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ "فَنَاظِرَةٌ" بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ» (٣٥ النمل )، وكلمة ناظرة هنا جاءت بمعنى "منتظرة ".. ثم قوله تعالى: «قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا "نَنظُرْ "أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ» (٤١ النمل )، وكلمة ننظر هنا جاءت بمعنى "نعلم".
سورة تتعلم منها
سورة النمل، هي سورة عظيمة تتضمن العديد من العبر والتعاليم الجميلة، التي أراد المولى عز وجل أن يضعها بين أيدينا، وأهم هذه المعاني هي أن يوصل لنا كيف أن كل المخلوقات تسبح الله عز وجل بحمده، ليس هذا فحسب وإنما ليدلنا على عالم مليء بالأسرار حتى يومنا هذا، وكيف يتعاملون وينظمون صفوفهم في مواجهة المخاطر، ولتسمع قول النملة المحنكة كما لو أنها قائدة عظيمة تدير معركة وهي تنبه بقية النمل للتخندق بعيدًا عن جيش سليمان، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ».
اقرأ أيضا:
عرف أهل الكتاب صفة النبي قبل أن يبعث.. ما الذي يبينونه وما الذي يكتمونه؟ (الشعراوي يجيب)آيات الله
السورة العظيمة ربما جاء اهتمامها بكلمة (ننظر) لأنها بالأساس تقدم وعد إلهي بتقديم بعض آيات الله في الكون، ومنها كما سبق النملة العظيمة المحنكة، قال تعالى: «وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ»، كأنه سبحانه وتعالى يريد أن يعلمنا كيف ننظر إلى ما هو حولنا في الكون، ثم نسبح بحمده سبحانه على عظمة هذه المخلوقات، ثم يكون لنا دليلا في حياتنا بعد ذلك.