نبينا صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة بعثه الله رحمة للعالمين فهو الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج منير قال عنه ربه : "وما أرسلناك إلا رحة للعالمين"
مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم:
رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالعامة:
روى ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لن تؤمنوا حتى تراحَموا))، قالوا: يا رسول الله، كلنا رحيم، قال: ((إنه ليس برحمة أحدِكم صاحبَه، ولكنها رحمة العامَّة))؛ رواه الطبراني، ورجاله ثِقات.
الكل يرحم بعضهم بعضًا، الرئيس يرحم المرؤوسين، والأب يرحم الابن، والزوج يرحم الزوجة، والغني يرحم الفقير، والقوي يرحم الضعيف، والجار يرحم جاره، الكل يتراحم فيما بينهم، حتى يصدق فينا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم، مثلُ الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تَداعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمَّى)).
- رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالضعفاء:
لقد أقرَّ الإسلام حقوقًا للضعفاء والفقراء والمساكين، واهتمَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالضعفاءِ الذين لا مالَ لهم ولا عشيرةَ، فكان يقبلُ من مُحسنِهم، ويتجاوزُ عن مسيئِهم، ويسعى في حوائِجهم، ويرفعُ عنهم الضرَّ والأذى ولو بكلمةٍ تُغضبهم؛ فعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرو أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَتَى عَلَى سَلْمَانَ وَصُهَيْبٍ وَبِلَالٍ فِي نَفَرٍ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللَّهِ مَأْخَذَهَا، قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ، لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ، لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ، فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا إِخْوَتَاهْ، أَغْضَبْتُكُمْ، قَالُوا: لَا، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَخِي))؛ رواه مسلم.
وكانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُعلِّمُ أصحابَه أن المالَ والوجاهةَ الاجتماعيةَ، والمناصبَ المرموقةَ - لا تُضفي على الإنسان فضلًا لا يستحقُّه، وأن الفقرَ وقلةَ المالِ والجاه، لا يَسلبُ الإنسانَ شرفًا يستحقُّه، روى البخاري من حديث سهل بن سعد قال: مرَّ رجل علينا ونحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لرجل عندنا: ماذا تقول في هذا الرجل؟! قال: يا رسول الله، هذا من أشراف أهل المدينة، هذا من أحسنهم حسبًا ونسبًا، هذا من أكثرهم مالاً، هذا حري إن خطب يخطب، وإن تكلم يُسمع، وإن شفع يُشفع، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم مرَّ رجل آخر، فقال للرجل نفسه: فماذا تقول لهذا الرجل؟ قال: يا رسول الله، هذا من فقراء الأنصار، هذا لا حسَب، ولا نسَب، هذا حَرِيٌّ إن خطب ما يُخطب، وإن تكلم ما يُسمع، وإن شفع ما يُشفع، فقال الصادق المصدوق: (هذا - يعني: الفقير الذي لا حسَب ولا نسَب - خير من ملء الأرض من مثل هذا).
هذا الذي في نظرك الذي إذا تكلم ما يسمع، وإذا شفع ما يشفع، وإذا خطب ما يخطب، (هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا)؛ رواه البخاري.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أُخبركم بأهلِ الجنةِ؟ كلُّ ضعيفٍ متضعِّفٍ، لو أقسمَ على اللهِ لأبرَّهُ، ألا أُخبرُكم بأهلِ النارِ؟ كلُّ عُتُلٍّ جواظٍ مُستكبرٍ
ومن اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بشأنِ الضعفاءِ أن امرأةً سوداءَ كانتْ تَقُمُّ المسجدَ، ففقَدها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فسألَ عنها، فقالوا: ماتتْ، فقال صلى الله عليه وسلم: (أفلا كنتم آذنتموني)، فكأنهم صغَّروا أمرَها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (دُلُّوني على قبرِها)، فدلوه، فصلى عليها)؛ رواه البخاري ومسلم.
إن المجتمعَ الذي يشعرُ فيه الفقيرُ والمسكينُ والضعيفُ بأهميته واهتمام المسؤولين والقادة والقوانين به - لهو مجتمعٌ التكافل والرحمةِ والإنسانيةِ الذي ينعم به الجميعُ ويسعدون بظلاله؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن وَلِي أمرَ الناسِ، ثم أغلقَ بابه دون المسكين والمظلوم وذوي الحاجة - أغلقَ اللهُ تباركَ وتعالى أبوابَ رحمته دونَ حاجته وفقره أفقر ما يكونُ إليها))؛ رواه أحمد.
- رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالمذنبين:
المذنبون أحوج ما يكونون للرحمة والشفقة عليهم حيث يحتاجون إلى رحمة التوجيه والهداية لطاعة الله، فإن الإسلام رحمة، والهداية والالتزام رحمة، وهناك أممٌ تنتظر منك أن تدلَّهم عليها، وأن تهديَهم بإذن الله إليها، وأن تأخذ بمجامع قلوبهم إلى الله، فتُحببهم في طاعة الله ومرضاته؛ قال صلى الله عليه وسلم: (أنا رحمةٌ مُهداة).
فمن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض أخطاء الغير، يحكي خوَّات بن جُبير عن نفسه، فيقول: نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران، قال: فخرجت من خبائي، فإذا أنا بنسوة يتحدثن فأعجبنني، فرجعت فاستخرجت حلة فلبستها، وجئت فجلست معهن، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبة، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هِبته واختلطت، وقلت: يا رسول الله، جمل لي شرد، فأنا أبتغي له قيدًا، ومضى فاتبعته، فألقى إليّ رداءَه، ودخل الأراك فقضى حاجته وتوضَّأ، فأقبل والماء يسيل على صدره من لحيته، فقال: (أبا عبدالله، ما فعل ذلك الجمل؟)، وارتحلنا، فجعل لا يلحقني في المسير إلا قال: (السلام عليك أبا عبدالله، ما فعل شراد ذلك الجمل؟)، فلما طال ذلك عليّ أتيتُ المسجد، فقمت أُصلِّي، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعض حجره، فجاء فصلى ركعتين، فطولت رجاء أن يذهب ويدَعني، فقال: (أبا عبدالله، طوِّل ما شئت أن تطوِّل، فلست بمنصرف حتى تنصرف)، فقلت في نفسي: والله لأعتذرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأبرئن صدره، فلما انصرفت، قال: (السلام عليك أبا عبدالله، ما فعل شراد ذلك الجمل؟)، قلت: والذي بعثك بالحق، ما شرد ذلك الجمل منذ أسلمت، فقال: (يرحمك الله) ثلاثًا، ثم لم يعد لشيء مما كان.
- رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالحيوان:
حرَّم الإسلام تعذيب الحيوان، ولعَن المخالفين على مخالفتهم؛ فقد روى مسلم بسنده إلى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على حمار قد وُسِم في وجهه، فقال: (لعَن الله الذي وسَمه)، وفي رواية له: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه، وعن الوسم في الوجه). وقد حرَّمت الشريعة الإسلامية تصبير البهائم؛ أي: أن تُحبَس لتُرمَى حتى تموت، كما حرَّمت الْمُثْلة وهي قطع أطراف الحيوان؛ فقد رُوِي عن ابن عمر أنه قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن تُصبَر بهيمة أو غيرها للقتل)؛ أخرجه الإمام أحمد، وأخرج البخاري ومسلم عن المنهال بسنده إلى عبدالله بن عمر أنه قال: "لعَن النبي صلى الله عليه وسلم مَن مثَّل بالحيوان".
- رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بغير المسلم:
قوله تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الممتحنة: 8، 9].
فالبر والقسط مطلوبان من المسلم للناس جميعًا، ولو كانوا كفارًا بدينه، ما لم يقفوا في وجهه ويحاربوا دعاته، ويضطهدوا أهله، فنجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يغضب عندما يجد امرأة مقتولة وهو يمر في إحدى الغزوات، فقال: (ما كانت هذه لتُقاتل)، بل ينهى عن قتل النساء والشيوخ والأطفال، ومَن لا مشاركة له في القتال
وبهذا يظهر أن لرسول كان رحيما بكل من يخالطه.
اقرأ أيضا:
قصة النار التي أخبر النبي بظهورها اقرأ أيضا:
الحسن بن علي هكذا تصرف سبط النبي عندما قطع معاوية عطاءه .. أعظم صور اليقين بالله .. تعرف علي القصة