تضرب هذه الأيام، آفة الفراغ، أكثر شبابنا للأسف، ورغم أن كثيرين منهم قد يبحث عن عمل ولا يجد، أو يحاول شغل وقته بما هو مفيد، إلا أنه أكثرهم يختار الفراغ صديقًا، كأنه ظله أو خليله.. وكأن الفراغ هو طموحه الحقيقي.. أو سنده في الحياة.. وإذا تحدثت معه تراه يقول لك: «يا عمي ماحدش واخد منها حاجة».. هؤلاء ممن ضاعوا وضيعوا وقتهم وحياتهم يقول لهم الكاتب الشهير الراحل أحمد خالد توفيق: «"الشغل والدراسة والمرمطة متعبين بس يحسسوك بقيمتك... الفراغ سهل ومريح بس مميت».. لذا عزيزي المسلم عليك باستغلال وقت فراغك في إعادة هيكلة نفسك، وترتيب أفكارك، وتحديد أهدافك، ورسم خططك ومشاريعك، لأن الركود لا ينتج أي تطور أو تجديد، بينما الكسل لا يزيدك إلا فشلا.. ونفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل بلا أدنى شك.
شغل الفراغ
بعض الشباب يسألك، وبماذا يشغل وقت فراغه؟، والحقيقة هذا سؤال لا يخرج إلا عن شاب لا يريد سوى المزيد من التخاذل والكسل.. لأن انشغال الوقت ليس بالأمر الصعب، فإن لم تجد عملا فعليك بالقراءة، وإن مللت القراءة عليك بالتسبيح، وإن انتهيت عليك بصلة الرحم، وإن انتهيت عليك بالصلاة.. يقول المولى عز وجل يوضح ذلك: «فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ » (الشرح: 7، 8)، واعلم أن المسلم تحديدًا لا يملك رفاهية الفراغ في الدنيا، فهو يعلم تمامًا كيف يشغل باله ووقته وحياته، لأنه يدرك تمامًا أن الحياة عمل، وأنه لا وقت للكسل، ولا سبيل لدقيقة واحدة يضيعها فيما لا يفيد، فضلا عن أنه يعلم جيدًا كيف شغل أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم أوقاتهم بما ينفع الناس في الدنيا والآخرة، وكيف سار الصالحين على هداهم، حتى عمروا الأرض، وعمروا أيضًا ما يفيدهم يوم القيامة أمام الله عز وجل يومًا ما.
اقرأ أيضا:
زوجتي طفلة كلما غضبت خاصمتني وذهبت لبيت أهلها.. ماذا أفعل؟المطب الحقيقي
إذن عزيزي المسلم، الفراغ هو المطب الحقيقي، الذي يلهيك عن استكمال حياتك، بل ويجعلك تخسر آخرتك، وهو ما حذر منه الإسلام كثيرًا، فقد ثبَت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ».. والغبن هنا بمعنى الخداع، أي أن الإنسان ينخدع فيهما، حتى يجد نفسه أضاع صحته، ووقته.. وحينما يحتاج للوقت لكي يستعيد بعض مما فاته لا يستطيع.. وهنا الطامة الكبرى، فقد أوصى النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، رجلاً من أصحابه فقال: «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك».