بقلم |
فريق التحرير |
السبت 15 يونيو 2024 - 10:17 ص
يعد العلامة الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي، هو أول خطيب من خارج السعودية يلقي خطبة عرفة، وكان ذلك في موسم حاج 1396ه/ 1976م، ولا زالت هذه الخطبة النادرة متداولة حتى اليوم، وبخاصة في موسم الحج، حيث يزداد الشوق إلى سماع "إمام الدعاة" التي تشعل حرارة الإيمان في النفوس، وتأخذ بأيدينا إلى طريق الطاعة، وهجران المعصية.
وإلى نص الخطبة:
بسم الله ولا يستعان إلا به ، والحمد لله ولا حمد إلا له ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أذن الخير التي استقبلت آخر إرسال السماء لهدي الأرض ، ولسان الصدق الذي بلغ عن الحق مراده من الخلق …
« لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك »
شعار هذا اليوم ، ونشيد هذه الساحة وترداد هذا الركن لبيك اللهم لبيك ، ومن أولى بالتلبية منك يا رب العالمين، وقد خلقت الخلق بقدرتك ، وأمددتهم بقيوميتك ، وأنعمت عليهم بدينك فلا لبيك إلا لك، تنادى الأوطان ، وأنت تدعو فأنت أولى بلبيك، وتمسك الأهل وأنت تدعو فلا يكون إلا لبيك، ويدعو المال والولد إلى أن يظل الإنسان حبيسهم، ولكن لا لبيك إلا لك سبحانك، ولا تقال إلا لك، لمن هذا الزحام والاحتشاد؟!
لمن هذه الكثرة الهائلة التي انصهرت فيها الأجناس وذاب البياض فيها وذاب السواد؟!
ولمن هذه الحشود التي تجتمع على هتاف واحد «لبيك اللهم لبيك»؟ !.
تسود فيه لغة القرآن، ولا تكاد دعوة إبراهيم حين أذن بالحج لبّاها عباد مخلصون مؤمنون قال الله: أذن فأذن، فكان الإعجاز الخالد في الدنيا، أن يكون مصداقًا لقوله: «يأتوك»،
سبحانك يا رب خصصت هذا الركن العظيم من حج بيتك ، والوقوف في ساحة رحمتك بما لم تميز به ركنًا من الأركان، خصصته بشيء حكمت فيه بما يكون إلى أن تقوم الساعة، كلفت بالصلاة، وكلفت بالزكاة، وكلفت بالصيام، وتركت العبيد أخيارًا فيما يختارون من طاعة تقربهم إليك أو ابتعاد يبعدهم عنك، ولكنك سبحانك حكمت في هذا الركن، أنه لا يكون حين يؤذن بالحج إلا أن يأتي القوم رجالا وركبانًا من كل فج عميق، ومصداق ذلك، هذه الظاهرة العجيبة في دنيا الناس، نرى انصرافا عن منهج الله في تكاليفه ، ونرى احتيالا على أن يتخلص الناس من عبودية التكاليف في مسائل الدين ولكن حين نراهم في كل هذا نراهم يحرصون على هذا الركن ويزدادون عليه إقبالا يضيق به كل توسع ولا يمكن أن يؤويه أي نظام.
اللهم إنك قد قلت” وأذن “فأذن وقلت “يأتوك ” فأتى القوم ” من كل فج عميق “ سبحانك يا ربي حين تريد أن يكون لا يكون هناك رادّ لما تريد أن يكون، سبحانك يا ربى ، وما أصدقَ لهجة عبادك جميعًا حين يقولون :
«لبيك اللهم لبيك»
ولماذا لا يكون لبيك لك يا رب وأنت لا شريك لك، ولماذا لا نقول لبيك لك يا ربى والحمد لك، الحمد لك بكل صوره ، الحمد بكل ألوانه .
حتى الثناء على الأسباب، حتى الشكر للوسائط والوسائل مرد الحمد فيها جميعًا إليك يا رب، فالوسائط والوسائل والأسباب من خلقك، فإن أجريت عليها ما يأتي بالخير فأنت المُجرى يا رب، إذا لك الحمد أولا ولك الحمد آخرًا .
سبحانك يا رب، من لم يحمدك، لأنك الذي خلقت ورزقت وأمددت بالنعم، من لم يحمدك لكل ذلك فليحمدك، لأن لك الملك ، ولأنه لا مفر له لأن يلتقى بك في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، لأمر ما يا رب جعلت شعار حجك «لبيك »، حتى يكون شعار المؤمن في كل أمر تأمر به، وحتى ينطبع في ذهن المؤمن ، وحتى يستقر في وجدان المؤمن أن دعوتك لأى أمر من الأمور أولى من دعوة أي خلق من خلقك مهما سمت منزلته وعلا مركزه وعظم جاهه ، سبحانك ولا تقال إلا لك.
“لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك”
يا رب نسألك يا رب كل شيء بقدرتك على كل شيء، اغفر لنا ولهؤلاء جميعًا كل شيء ولا تسألنا عن شيء، إنك يا رب ما دعوت عبيدك لزيارة بيتك والوقوف في ساحة رحمتك «عرفات» إلا وأنت تريد بهم الخير ، وتريد لهم الرحمة ، وكل داعٍ نعرفه حين يدعو مدعويه يعد لهم من الحفاوة ومن التكريم ، ومن التُحف ما يليق بسماحه ، وما يناسب كرمه ، وما تتسع له إمكانياته، فكيف إذا كان الداعي هو الرب الذي يقدر على كل شيء، وما عندنا ينفد وما عند الله باق.
لو سألك كل هؤلاء في ساحة رحمتك ، بل لو سألك كل المؤمنين بك في أرضك كلها لو سألوك حوائجهم فأعطيتها لهم، ما نقص ذلك مما عندك يا رب إلا كما ينقص المخيط إذا غُمس في البحر، وذلك أنك يا ربى جواد وأنك واجد وأنك ماجد، عطاؤك كلام وعذابك كلام ، إنما أمرك لشيء إذا أردته أن تقول له «كن» فيكون.
تجلياتك يا رب على خلقك ، لتنظر هذه الضراعة الذليلة ، والعبودية الخاشعة ، ونعمة الذلة لك ونعمة العبودية لك؛ لأنها عبودية تعز العبد، فالعبودية من الخلق للخلق عبودية تأخذ خير العبد للسيد وعبوديتنا لك يا رب تعطينا خيرك يا سيد.
يا رب يا رب يا رب، نسألك بأنك الملك وأنت على كل شيء قدير وما تشاء من أمر يكون.
يا رحمة الله يا رضوان الله ، يا تجليات الله هؤلاء خلق الله، فأهبطى عليهم بالإشراق وتنزلي عليهم بالصفاء وأرجعيهم مأجورين مغفورًا لهم مجبورين مجابين الدعاء لهم ولآلهم ولأزواجهم ولذرياتهم ولأحبابهم ولجميع المؤمنين والمؤمنات .
يا ربى إن رسولك الأعظم صلى الله عليك وسلم، لا يعطينا إلا حفاوة البشر بالبشر، ولكن حفاوة الملائكة في ملأها الأعلى، فكيف تكون حفاوة الملائكة وهم مخلوقون لله ونحن مخلوقون لله، إذًا هي تحية مخلوق لمخلوق، انظروا إليها أيها القوم كيف يصورها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن ملائكة الله في عليائها وفى صفائها وفى طهرها وفى عبوديتها المكرمة، هؤلاء جميعًا يتلقون ركبان الحجاج بالمصافحة، ولكنهم يتلقون «الماشين» بالعناق، انظروا كيف يجازى الله على قدر المشقة.. انظروا كيف لا تضيع حركة من حركات الإنسان في رضاء الله عند الله، ما أعظم ما نشهد وما أجمل ما نرى، أهو الجلال يكسوه الخشوع وتكسوه الذلة، أهو الجمال يكسوه الإشراق والبهاء، أم هو المزيج من الجمال والجلال.. يذكر الناس هؤلاء ذنوبهم فيخشون ويخافون، ويذكرون رحمة ربهم فيفرحون ، هنا وفى هذا المكان يمتزج الجمال بالجلال ، سبحانك يا ربي ولا تقال إلا لك
« لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك »
إلهى لست بإله استحدثناه ولا برب ابتدعناه ولا كان لنا قبلك من إله نلجأ إليه ونذرك، ولا أعانك أحد على خلقنا فنشركه فيك.. سبحانك سبحانك سبحانك لا إله إلا أنت ، لا إله إلا أنت، لا إله إلا أنت.
حظ التلبية من التوحيد أن نشهد بك واحدًا لا شريك لك، وحظ جميع أركان الإسلام من الحج أن الصلاة لها منه ذلك الحظ، نتوجه إلى بيتك كل صلاة، فهذا هو البيت رأيناه رأى العين وطفنا جميع جهاته واستلمنا حجره الأسود ليشهد لنا يوم لقائك .
وأما حظ الزكاة فإن فيها البذل وفيها السخاء وفيها الأريحية وفيها الثج (الذبح وإراقة دم الذبيحة )ليطعم الناس وليطعم الفقراء والمساكين،
أما حظ الصوم من الحج فإنك يا رب جعلت على المحرم محظورات، هذه المحظورات مباحة مع غير الإحرام ، ولكنه ساعة يحرم تحرم عليه، وذلك لون من الإمساك عما أحلّ الله، فكأن ركن الحج يا ربي ركن جمعت فيه الأركان مرموزا إليها وممثلة فيه، لهذا يا رب كان جزاؤك على أن يخرج الحاج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
سبحانك يا رب حين تكلف خلقك تكلفهم بالفعل ثم تترك لهم حرية الزمان ، وقد تكلفهم بالفعل وتترك لهم حرية المكان ، ولكن الحج هو الركن الوحيد الذي اجتمع فيه الأمر بالفعل ، والنهى عن المحظورات في زمان مخصوص، ومكان مخصوص، لذلك كان جزاؤك عليه يا ربى خير ما تجازى به عبادًا جاءوك شعثا غبرًا، أوابين ،أواهين، توابين، دامعين خافقة قلوبهم واهنة أبدانهم ، وهم لا يرجون إلا رحمتك لا يرجون سواك لأنه لا شريك لك..
” لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.”
اللهم إنك قد أمرتنا أن نحج بيتك فامتثلنا وقلنا لبيك وأمرتنا أن نقف في ساحة رحمتك فقلنا لبيك، فكما لبينا دعوتك يا ربي لب ضراعاتنا واغفر زلاتنا وارحمنا، وارض عنا اللهم ما مضى من ذنوبنا فاغفره وما نستقبل من حياة فاستر عنا ذنوبها..
اللهم إنا نسألك الخير من حيث تعلم أنه الخير يا ربي يا ربي يا ربي بقدرتك على كل شيء اغفر لنا كل شيء ولا تسألنا عن شيء..
“لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك”
سبحانك يا رب ولا تقال إلا لك، حشد واجتماع كل قلب فيه واجف ، ولكن كل قلب فيه مؤمل جاءوك وهم يثقون بكرمك جاءوك ، وهم يثقون بعفوك، جاءوك ويحبون أن يرجعوا إلى أهلهم على خير ما يرجع المسافر من هجرة لله بتحية من الله في نُزل من الله.
يا رب يا رب يا رب، نسألك بأنك الملك وأنك على كل شيء قدير، وما تشاء من أمر يكون، اللهم إنا نسألك أن تعطينا من الخير ما تعلم أنه الخير لنا في ديننا وفى دنيانا وفى أهلنا..
اللهم إنا نسألك أن ترزقنا جميعًا حبك وحب من ينفعنا حبه عندك..
اللهم ما أعطيتنا مما نحب فاجعله قوة لنا فيما تحب وما زويت عنا مما نحب فاجعله فراغا لنا فيما تحب
، يا ربي يا ربي نسألك بأنك الملك وأنك على كل شيء قدير، وما تشاء من أمر يكون .
جئنا يا رب كما وعدت، لنشهد منافع وقد شهدنا ، والحمد لله شهدنا كيف يطبق الإيمان.. وكيف يطبق الإسلام وكيف يعيش المؤمن في منهج ربه شهرًا من الزمن أو أكثر أو أقل ، فيجد في نفسه صفاء ، وفي روحه إشراقا وفي بدنه خفة للعبادة ألا يدل كل ذلك على أن منهج الله إرساله دائمًا إشراقً وصفاءً، فلو أنكم أيها الحجيج حين تذهبون إلى بلادكم استصحبتم منهج ربكم كما تستصحبونه هنا، لا رفث ولا فسوق ولا جدال، الإنسان في سلام مع نفسه، فلا عدوان حتى على شعرة، والإنسان في سلام مع النبات فلا تعضد حتى شجرة والإنسان في سلام مع الحيوان فلا يصاد في هذا المكان ما أحل له في غير هذا المكان ،أدب مع كل الوجود أدب مع النفس أدب مع الجماد أدب مع النبات أدب مع الحيوان ، أدب ينتظم اتساق الوجود كله وانسجام الكون جميعه، وحين ينسجم الكون جميعه تكون الوحدة ويكون الإخاء ويكون الصفاء.
سبحانك يا ربي شهدنا أنك الرحمن الرحيم ، وشهدنا أنك حين تبتلى بشرّ في أعراف الناس ، لا شر منك أبدًا إنه الخير المطلق ولكنه شر بمقاييس خلقك ، حين تبتلى الإنسان بما يشق عليه ويصعب على نفسه لا تريد من عبدك إلا أن يرضى بقضائك، وأن يستسلم لحكمك ، وحين يرضى مخلصًا بيقين بما قضيت فترفع قضاءك عنه وتلطف به.
ولقد شهدنا ذلك النفع العقدي في الحج، فرأينا كيف أن أبانا إبراهيم عليه السلام، حين قبل ابتلاء الله له في ولده الذي لم يره إلا على كبر، ولم يبتله بأن يمرض ولم يبتله بأن يقتله سواه ، ولكنه ابتلاه بأن يقتله هو بيده ، وأن يذبحه …. فما أعظمه من ابتلاء لا يقدر عليه إلا أولو العزم !!! ولا يقدر عليه إلا مثل إبراهيم الأمة !!!
فلما امتثل للأمر وامتثل ابنه للأمر، ماذا كان منك يا رب يا لطيف يا رحمن يا رحيم ؟
كان كما قلت في كتابك الكريم : «فلما أسلما وتله للجبين، وناديناه أن يا إبراهيم، قد صدقت الرؤيا، إنا كذلك نجزى المحسنين »
علمتنا يا رب أن قضاءك على عبدك لا يُرفع حتى يرضى به، إذن فالسخط على القضاء هو الذي يطيل أمد القضاء على الناس.
علمتنا يا ربي كيف أن إيمان إبراهيم ويقين إبراهيم تحملا عنا جميعًا إلى أن تقوم الساعة تحملا عنا أن تتعبدنا بذبح أولادنا فلو أن إبراهيم خاف لاستمر الحكم وصار لزامًا ،وأنت يا ربي كما تحب في خلقك ….. فلو أنك يا رب أمضيت هذا الحكم لكان في ذلك ابتلاء، هذا الابتلاء يعم كل الناس فلينظر الناس كيف نفعهم إيمان أبيهم إبراهيم، كيف نفعهم تسليم أبيهم الأمة ، كيف نفعهم تسليم جدهم إسماعيل كيف نفعهم إنهما حينما اسلما لأمر الله لطف الله ، وقضى الله بالذبح العظيم، وفديناه بذبح عظيم، واكتفى منا ربنا هنا أن نريق الدماء “لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ “
علمتنا يا رب في رحلة العمر علمتنا كيف نستقبل هواجس الشيطان، ونوازغه وخواطره فدربتنا على ذلك تدريبًا حسيًا، وجعلتنا نلتقط الحصى من المزدلفة، بعد أن خرجنا من هنا مغفورًا لنا حتى لا يعود الشيطان إلى التبشش وإلى الامتنان ليفسد المغفرة علينا ، وليجعلنا مأزورين ثانية ، فجعلتنا نلتقط الحصى ومع كل لقطة ذكر، ومع كل لقطة شكر ، ونجمعه حتى نذهب إلى الرمزية في الشيطان فنرجمه قولا ونرجمه فعلا،حتى ينطبع في الذهن بتكرار كل ذلك أن هواجس الشيطان حين توسوس للنفس البشرية ما عليك إلا أن ترجمه كما أمرك ربك ” وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ “
“لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك”
يا ربي يا ربي نحن عبادك وأنت ربنا ، ومن المتعارف عليه بأعراف الناس أن يكون الإنسان مذنبًا أمام أحد ثم يأتيه بعد ذلك في ساحته ليسأله بره وليسأله رضوانه ، ولكنها من عبيدك يا ربي محبوبة ، فأنت تحب التوابين ، وأنت تحب الأوابين ، وأنت تحب المستغفرين؛ لأن في ذلك يا ربي تجل لصفات الجمال فيك تجل لصفات الرحمة، تجل لصفات الغفران ، كل ذلك لان صفات الجبروت يا ربي لا جلد لنا عليها ، ولذلك كان من كرمك أن تبقى يوم القيامة شفاعتك أنت وهي الملجأ الأخير لعبادتك ، فقد يقول الناس : الملائكة والأنبياء والمؤمنون يشفعون عند الله فكيف تبقى شفاعة الله ؟ وعند من يشفع الله ؟ نعم إن لله صفات جمال ولله صفات جلال ، وصفات الجلال تتطلب مطلوبها من القهر وذي البطش الشديد ، وصفات الجمال تتطلب مطلوبها من المغفرة والرحمة ، فالموقف عند المذنبين لصفات الجلال من الجبروت والقهر وذي البطش الشديد ، يظل الموقف لصفات الجلال إلى أن تأتي صفات الجمال منك يا ربي ، صفات المغفرة ، صفات الرحمة فتدفع صفات الجمال منك عند صفات الجلال منك ، فيكون ما يكون من صفح الله على العصاة بالمغفرة وعلى المذنبين بالتوبة .
سبحانك يا ربي سبحانك يا ربي!!
“لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك”
يا ربي إنها ساعة تجلت فيها رحمتك ويوشك يوم الرحمة أن تأفل شمسه وأن يرجع عبيدك بالمغفرة والرحمة فنحن ننتهز هذه الفرصة
وندعوك يا رب بما دعاك به آدم عليه السلام ، وندعوك بما دعاك به إدريس عليه السلام ، وندعوك يا ربي بما دعاك به نوح عليه السلام ،
وندعوك يا ربي بما دعاك به هود عليه السلام ، وندعوك يا ربي بما دعاك به صالح عليه السلام ، وندعوك يا ربي بما دعاك به إبراهيم عليه السلام ، وندعوك يا ربي بما دعاك به لوط عليه السلام ، وندعوك يا ربي بما دعاك به إسماعيل عليه السلام ، وندعوك يا ربي بما دعاك به إسحق عليه السلام ، وندعوك يا ربي بما دعاك به يعقوب عليه السلام ، وندعوك بما دعاك به يوسف عليه السلام ، وندعوك يا ربي بما دعاك به موسى عليه السلام ، وندعوك يا ربي بما دعاك به هارون عليه السلام ، وندعوك يا ربي بما دعاك به داوود عليه السلام ، وندعوك يا ربي بما دعاك به سليمان عليه السلام ، وندعوك يا ربي بما دعاك به أيوب عليه السلام ، وندعوك يا ربي بما دعاك به يونس عليه السلام ، وندعوك يا ربي بما دعاك به إلياس عليه السلام ، وندعوك يا ربي بما دعاك به ذا الكفل عليه السلام ، وندعوك يا ربي بما دعاك به زكريا عليه السلام ، وندعوك يا ربي بما دعاك به يحيى عليه السلام .
ونختتم ما ندعوك به يا ربي بدعاء خير خلقك وسيد أنبيائك ورسلك ، رحمة الله للعالمين ، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، إلهي بجاهه عندك ومكانته لديك ومحبتك له ، ومحبتك له ، وبالسر الذي بينك وبينه، نسألك أن تصلي وتسلم عليه وعلى آله ، وأن ترزقنا حبه وحب من يحبه وأن ترزقنا اتباعه والاقتداء بآدابه وسنته، وأن تسكب علينا ما سكبته عليه من نور ومن صفاء ومن خشية ومن حب ، حتى نصبح ربانيين لا نصلح إلا لحضرتك .
يا ربي يا ربي نسألك بما سألك به نبيك محمد صلى الله عليه وسلم أن تقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ، ونسالك أن تقسم لنا من رحمتك ما يقربنا من طاعتك ونسألك يا ربي أن ترزقنا من اليقين ما يهون علينا مصائب الدنيا وأحداثها ، ونسالك يا ربي ألا تجعل همنا دنيانا وألا تجعل دنيانا مبلغ علمنا ، وألا تجعل مصيبتنا في ديننا .
اللهم إنا نسالك أن تجعلنا من الذين إذا أحسنوا استبشروا وإذا أساؤوا استغفروا ،
اللهم أعطنا من الخير ما تعلم أنه الخير ، ورضنا به وما علمته غير ذلك فتكرم علينا بألا تجيبنا إليه و ادخره لنا فإننا نسألك يا ربي على قدر ما نعلم وما اقل ما نعلم وأكثر ما نجهل . اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع وعمل لا يرفع ونعوذ بك من قلب لا يخشع ونعوذ بك من عمل لا يرفع .
اللهم إنا نسالك في هذا الموقف عزائم رحمتك .
اللهم أمتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا واجعلها الوارث منا، اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على أعدائنا.
اللهم إن قلوبنا وجوارحنا لم نملك شيئا منها فهي لك وحدك فحيث جعلتها لك وحدك فكن أنت يا رب وليها ولا تحرك قلوبنا إلا بحبك ولا تعمل جوارحنا إلا في طاعتك بحيث يكون كل أمر منك ممتثلا ، ويكون كل نهي منك متجنبا .
يا ربي يا ربي نسالك بأنك الملك وأنت على كل شيء قدير وما تشاء من أمر يسير.
“لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك”
يا ربي يا ربي ، وما أحسنها من راحة حينما نعلم أن لنا ربا نفزع إليه ….. مجرد النطق بها يريحنا يا ربي ، فكيف بالعطاء بعدها ؟ يا شؤم من ليس له رب ليستنجد به ….. يا بؤس من ليس له إله يلجأ إليه كيف يعيش دنياه؟
وكيف يستقبل مصائب حياته .
اللهم إنا نحمدك لأنك هديتنا للإيمان ونحمدك لأنك هديتنا للإسلام . اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا الذين حملوا لنا دينك ولم يكلفونا الضياع في متاهات العقائد ، اللهم ارحمهم ، وارحم آباءهم وأمهاتهم إلى أولهم في الإسلام، اللهم كما سألناك لمن مضى منا الرحمة فنسألك لمن بقي منك العفو والعافية والعفة ونسألك له الاستقامة على منهجك اللهم إنا نسألك أن تجعل منا دعاءنا مقبولا لكل ذي سلطان في المسلمين فإنه يا ربي بإصلاحهم يصلح كثير من خلقك فالناس على دين ملوكهم . اللهم اهد حكام المسلمين لمنهجك.. اللهم اهد حكام المسلمين لمنهجك اللهم نسألك أن تجمعهم على دينك.. وأن توحد بين صفوفهم تحت راية قرآنك ومنهج نبيك اللهم إنا نسألك يا ربي أن تجعل هؤلاء رواد كلمة يقولونها وهي دستور الحكم في بلاد الإسلام القرآن اللهم ألهمهم هذا المنطق اللهم وفقهم إن هم فعلوا اللهم اهدهم إليك اللهم إنا نسألك لهم هديا وتوفيقا وسدادا يا ربي يا ربي نسألك بأنك الملك وأنت على كل شيء قدير وما تشاء من أمر يكون، لبيك … ما أجمل عبادك يا رب، حين يفيضون الآن يتوجهون لمشعر آخر فإن لكل مشعر توقيتا اللهم إنهم لن ينصرفوا عن ملالة ولن ينصرفوا عن هجران ، وإنما جاؤوا بأمر ، وانصرفوا بأمر ، فهم عبيدك آتين وذاهبين ، وهم عبيدك في أي مكان يستقبلون منك الأمر ؛ فيتوجهون إليه بالحب ويتوجهون إليك بالعتق . يا رب نسألك لهم جميعا مغفرة ورحمة ورضوانا . اللهم من وصلته في هذه الساحة اليوم فلا تحرمه الوصل إلى أن يموت .
اللهم من حالت أسبابه وعوائقه أن يقف هذا الموقف فيسر له وسهل أمره وذلل أمامه العقبات لينعم كل عبيدك بتلك الفرحة ، لينعم كل عبيدك بهذا الجمال لينعم كل عبيدك بهذا الجلال . سبحانك يا رب ما أجمله من منظر فيفيضون كما أمرتهم ما أجملهم يا ربي !! عباد أخلصوا للاستجابة لدعوتك وحففتهم برحمتك ، فكيف لا يكونوا مسرورين مجبورين وكيف لا يبتهلون وكيف لا يتهللون . يا رب أدم عليهم نعمة هذه التوبة ، ونعمة هذه المغفرة ، واكفهم يا رب شر نفوسهم ، وشر شياطين الإنس ، وشر شياطين الجن.. ما أجمله من منظر لا يستطيع البيان أن يحصيه ولا العبارات أن تؤديه إنه موقف لا تصفه إلا العين ، ولا يحسه إلا القلب . فطوبى لمن وفقه الله..
أنتم أيها الحجيج لا ترون أنفسكم إلا على مقدار آفاق أبصاركم ، ولكنا نراكم الآن وأنتم في زحمة العبودية ذهبتم من هنا برحمة وتذهبون إلى هناك إلى استقبال رحمة ، فكل خطواتكم رحمة ، وكل مناسككم رحمة ، ما أجمل ما رأينا في ذلك اليوم الثياب البيضاء التي استوى فيها الناس المنظر الموحد(بفتح الحاء)الموحد (بكسر الحاء) موحِد موحَد تلك هي العبودية الحقة تلك هي السوائية التي يفرح فيها الإنسان .
الهيئة التي تميزه حتى يرى الناس جميعا كل الناس وحتى يرى الضعيف كيف يخضع القوى ويذل وحين يرى القوي أن الضعيف قد رآه في موقف ذلة فإنه لن يطغى عليه ولن يتكبر عليه، ويكون هنا الاستقرار العبودي لله …. ذلك الاستقرار …. ذلك الذي يريده الحق من الخلق، فيكون الناس سواسية كأسنان المشط . يا رب نسألك بأنك الملك وأنت على كل شيء قدير وما تشاء من أمر يسير
“لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك”
وأنتم أيها الحجيج اذهبوا إلى نسك آخر يستقبلكم اذهبوا إلى المشعر الحرام ، واذكروا الله كما هداكم ، ونقوا الحصى وتذكروا جيدا لماذا تلتقطونه، واذكروا جيدا لماذا ترجموا به الجمرات ، اذكروا جيدا أن ذلك منهج تطبيقي رمزي تدريبي على أن تطردوا الشيطان في كل وسوسة له ، واذكروا الله دائما لأن الشيطان خناس ، إن غُفل عن الله وسوس ، وإذا ذكر الله خنس . ثم اذهبوا إلى منى، وبعد ذلك اذهبوا لتطوفوا طواف الإفاضة . استقبلتم البيت بالطواف وأتممتم أركان حجكم بالطواف الزموا ملتزم ربكم . وادعوه جميعا للمسلمين بالخير وللمسلمين بالنصر ادعوا لهم جميعا أن يجمع الله كلمة المسلمين ، والعمل على كل ما يعوق انتصار الإسلام يا قوم إنه منهج الله وهذا دليل من أدلة بقاء منهج الله في ضمائر الشعوب وفي وجدانات الأمم ، هؤلاء الضعاف الذين حجوا رجالا . والله لقد رأيت بعيني أن امرأة تقف وهى على أربع أي أنها لا استقامة لها في بدنها حتى تمشي على رجلين ، فمن ساقها وهى معذورة ومن قادها وهى غير مضطرة إلى ذلك إنه الوقود اليقيني. و والله لقد رأيت رجلا أعمي يحمل رجلا مقعدا ….. المقعد يهديه إلى الطريق ببصره والأعمى يحمله على رجليه ، تكاتف ما أحلاه !!
هذا يحب أن يشهد ذلك الموقف ، وذلك يحب أن يشهد ذلك الموقف ، فتعاونا معا … أعمى صحيح الرجلين يحمل مقعدا صحيح العينين !!!
أيوجد ذلك في دنيا الناس ؟
أيمكن أن نجد ذلك في أصحاب الجبروت أن يسوقوا هذه الجموع الحاشدة ؟
يا لله إنها لا تساق إلا لله ولا تقاد إلا بالله فلينظر الحاكمين وليعتبروا أن الإيمان في المؤمنين وأن الإسلام في المسلمين خيريته دائما في جميع النفوس ، وأنهم حين يكونون ضعافا لا يقوون على مجابهة الحاكمين ، فلو أراد الحاكمون أن يتقربوا إلى هذه الشعوب المؤمنة فليعلنوها كلمة مدوية الحكم من الآن لله والدستور من الآن القرآن ، ومنهج حياتنا هو ما تركه لنا صلى الله عليه وسلم من كتاب الله وسنة نبيه ، لو تمسكنا بهما لن نضل .
يا قوم اعلموا جميعا أن الله لا يتغير من أجلنا ، ولكن يجب أن نتغير نحن من أجل الله -( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )-
يا قومي إنه الله وحده وله المرجع ، وكلنا يشهد في بيئاته ، وفي محيط حياته ، وما يعلم من أهله وحكامه أنهم حين يذهب سلطانهم وحين تمضي دولهم لا يجدون لهم ملجأ إلا الله حينئذ يقبلون على الله ، وهم بغير جاه ،أين كان الله من نفوسكم وأنتم تملكون أن تحكموا منهجه ؟
“لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك”
نريد يا قوم ألا يكون ذاك شعار الحج فقط ولكننا نريد أن تكون لبيك شعار كل حياتنا كل حركاتنا في الحياة شعارها لبيك .
فإن أمر البشر وأمر الله فأمر الله أولى بلبيك وإن أمرت القوانين الوضعية وأمر دستور الله في القرآن فلا شعار إلا لبيك .
حين يكون شعارنا الذي كررناه تكرارا متعددا يريد الحق من ذلك التكرار أن يتأصل في نفوسنا تأصلا لا ينساه الجسم ولا يغيب عن الوجدان وحين يتأصل في النفس الإنسانية يكون منهج الله ويكون حكم الله أولى بأن نقول له دائما في كل حركة من حركات الحياة.
“لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك”
يا ربي يا ربي نسألك بأنك الملك، وأنك على كل شيء قدير وما تشاء من أمر يسير اللهم إنك تعلم حال المسلمين وتعلم ما هم فيه ، من اجتماع عليهم .
اللهم إنك تعلم حال المسلمين وما نكبوا به من رأس حربة شنها الاستعمار القديم علينا . اللهم إنك تعلم الكيد في إسرائيل وتعلم الظلم فيمن يعين إسرائيل ، وأنت يا رب حكمت قديما بأنهم مضروب عليهم الذلة ومضروب عليهم المسكنة إلا بحبل من الله وحبل من الناس ، فكما قطعت يا رب الحبل عنهم فاقطع حبل من يمدونهم من الناس ، حتى نصبح نحن وهم فرسي رهان إن كانوا أقوياء انتصروا ، وإن كنا أقوياء انتصرنا ، ولن نكون أقوياء حتى نحكم منهج الله ، فإن فلسطين عزيزة علينا وفيها قبلتنا، وفيها بيت من بيوت الله المقدسة وعزيز علينا يا ربى ونحن في مقدساتك الآن أن ننسى القدس، أن ننسى حرمك الثالث ، وكيف ننساه وقد سرى إليه نبينا وقد أصبح من مقدساتنا نذكره يا ربى وندعوك يا ربي أن ترد إخواننا الفلسطينيين إلى بلادهم المغتصبة وأن تعيد عليهم ديارهم وأن تعطيهم ما يعوضهم عما شردوا فيه وعما تعبوا فيه وأن تجعل من المسلمين ردءا يعاونهم وأن توفق كل خطة تحقق لهم آمالهم وتعيد إليهم ديارهم . يا رب يا رب نسألك بأنك الملك وأنت على كل شيء قدير وما تشاء من أمر يكون.
“لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك”
وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد رحمة الله للعالمين، وخاتم أنبيائه المرسلين ، وسلام على إخوانه المرسلين جميعا . وإلى اللقاء في موسم آخر إن شاء الله ، والمسلمون في نصر ، والمؤمنون في تجمع ، والحاكمون مقبلون على منهج الله.