يحظى نهر النيل بأهمية كبيرة في حياة المصريين، إذ يُعد المصدر الأهم للمياه في مصر التي تعتمد عليه لسد أكثر من 97٪ من احتياجاتها المائية، كما اعتبر المصري القديم نهر النيل مصدر الحياة، فقد غذى النهر باتجاهه شمالًا في مسار ثابت الوديان الخصبة في شمال شرق أفريقيا لملايين السنين، وبذلك تشكلت واحدة من أهم الحضارات الإنسانية وأقدمها، الحضارة المصرية القديمة، حتى أن المسار الثابت لنهر النيل شكَّل لغزًا جيولوجيًّا على مدى سنوات طويلة.
ولعل الدراسة التي نشرت بتاريخ 11 نوفمبر 2019، في دورية "نيتشر جيوساينس" وقام عليها باحثون من جامعة تكساس الأمريكية بالتعاون مع باحثين في جامعات أخرى، أكدت أنهم توصلوا إلى حلٍّ لهذا اللغز من خلال ربط تدفق النهر بحركة الصخور في وشاح الأرض، وهو الكتلة شبه الصلبة في باطن الأرض التي تقع بين قلب الأرض الكثيف شديد الحرارة وطبقتها الرقيقة الخارجية المعروفة بالقشرة. يصل سُمك الوشاح إلى حوالي 2900 كيلو متر تقريبًا، ويشكل ما يعادل 84٪ من إجمالي حجم الأرض.
كما تعتقد دراسات سابقة أن نهر النيل هو وليد عصر الميوسين، وأنه تشكَّل في مساره الحالي قبل حوالي 6 إلى 10 ملايين سنة فقط، وهو الأمر الذي أكده كلٌّ من الجيولوجي رشدي سعيد، والجغرافي محمد عوض في كتابيهما عن نشأة نهر النيل، تشير الدراسة الجديدة إلى أن النهر الأطول في العالم ( يبلغ طول مساره 6,650 كيلومترًا، وتقدره الدراسة الحالية بـ6800 كيلومتر)قد انتظم في مساره الثابت الحالي قبل حوالي 30 مليون سنة، وهي مدة زمنية أطول بكثير مما كان يُعتقد سابقًا.
وتساءل كلاوديو فاسينا، الأستاذ بكلية جاكسون لعلوم الأرض بجامعة تكساس: "إن أحد الأسئلة الكبيرة حول نهر النيل هي متى نشأ؟ ولماذا استمر مدةً طويلةً ثابتًا في مساره؟ موضحا أن هذا ما تكشفه نتائج هذه الدراسة".
وكشف فاسينا أن التدرج الطبوغرافي الذي يتحكم في تدفق نهر النيل نحو الشمال استمر دون انقطاع لأكثر من 30 مليون سنة، وقد تم دعمه بواسطة عوامل الحمل الحراري ووشاح الأرض.
وأوضح أن الدراسة تُعنى بنهر النيل من منابعه الاستوائية حتى مصبه في مصر، مرورًا بالسودان، ولم تتعرض لعمليات التصريف التي كانت تتم من جبال البحر الأحمر في مسار النهر، وترى نتائج الدراسة أن مسار النهر كان ثابتًا ومتصلًا من المنابع حتى المصب قبل 30 مليون سنة.
اقرأ أيضا:
الاحتلام والاستحلام.. ما الفرق بينهما؟فيما يقول عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والمياه في جامعة القاهرة، إن ما يميز الدراسة الحالية عن غيرها هو أنها تؤكد أن نهر النيل كان مجراه كما هو الآن، قادمًا من إثيوبيا والمنطقة الاستوائية ومتجهًا إلى البحر المتوسط. في حين تقول دراسات سابقة إنه تكوَّن منذ حوالي 6 ملايين سنة فقط، كان مساره داخليًّا في مصر، وغير متصل بالسودان.
وكشف انه في تلك الفترة كان النهر يتغذى من الأودية الجافة التي تنبع من جبال البحر الأحمر، ونتيجة النشاط البركاني في إثيوبيا تغير مسار النيل الأزرق المتجه شمالًا من بحيرة "تانا"، ليصبح اتجاهه جنوبًا ثم غربًا إلى السودان ثم إلى مصر، وأدى إلى أسر المسيلات النهرية التي تنبع من جبال البحر الأحمر، ثم يتجه بها إلى البحر المتوسط حيث مصب النيل.
وبحسب دراسة أخرى في جامعة تكساس الامريكية، فإن منبع النيل الأزرق من بحيرة "تانا" في مرتفعات الهضبة الإثيوبية ثابت منذ نحو 30 مليون سنة، وليس منذ ستة ملايين سنة كما كانت تقديرات العلماء السابقة، وتوصل الفريق العلمي إلى هذه النتيجة بفضل تحليل الترسبات والمحاكاة الرقمية بهدف إعادة بناء التطورات الجيولوجية بالمنطقة خلال الحقب الزمنية المتتالية.
ونقلت صحيفة "لوموند" الفرنسية عن اثنين من فريق العلماء السبعة الذين قاموا بالدراسة وهما أستاذ الجيولوجيا بجامعة روما كلاوديو فاتشينا وزميله بجامعة تكساس بيتر غليزوفيتش.
وقال الباحثان إنهما اختارا موضوع البحث لأسباب عدة، أهمها أن النيل فضلا عن كونه أطول نهر في العالم يتميز بخصائص فريدة منها أنها يشق مساحات صحراوية شديدة الجفاف.
وأضاف الباحثان أنهما استندا في نظريتهما الجديدة على أدلة علمية جيولوجية وجيوفيزيائية أظهرت أن الحمل الحراري لغطاء الأرض في منطقة حوض النيل شكل تضاريسها خلال 30 مليون سنة، وهو ما يعني أن حركة الصخور الأرضية في هذه المنطقة أبقت على مسار نهر النيل الحالي طوال هذه الفترة الزمنية.
وتوصلت الدراسة العلمية أيضا من خلال التحليل الجيولوجي للرواسب الموجودة في منطقة النيل الأزرق إلى أن بداية تراكم هذه الرواسب تعود لما قبل 30 مليون عام، كما أكدت ذلك المحاكاة الرقمية لإعادة بناء تطورات المشهد العام للنهر.
اقرأ أيضا:
عين السرو.. تمتلئ حينما تقترب منها وتجف عندما تبتعد.. فما تفسير ذلك؟