اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعوا عنده.
فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديا، وقالت النصاري: ما كان إلا نصرانيا.
فأنزل الله عز وجل: "يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون. ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين. إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين".
فقال رجل من الأحبار: أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم؟
وقال رجل من نصارى نجران: أو ذلك تريد يا محمد وإليه تدعونا؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " معاذ الله أن أعبد غير الله أو آمر بعبادة غيره، ما بذلك بعثني ولا أمرني" . فأنزل الله عز وجل في ذلك: "ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون".
ثم ذكر ما أخذ عليهم وعلى آبائهم من الميثاق بتصديقه وإقرارهم به على أنفسهم، فقال: "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين".
ظهار أخبار متعلقةولما قبض نصارى نجران كتابهم انصرفوا إلى نجران ومع الأسقف أخ له من أمه وهو ابن عمه من النسب يقال له بشر بن معاوية وكنيته أبو علقمة.
فدفع الوفد كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأسقف فبينا هو يقرأه، وأبو علقمة معه، وهما يسيران إذ تعثرت ببشر ناقته فقال : تعس الأبْعد يعرّض برسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال له الأسقف عند ذلك: قد والله تعست نبيا مرسلا.
فقال له بشر: لا جرم والله لا أحل عقدا حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرف وجه ناقته نحو المدينة وثنى الأسقف ناقته عليه.
فقال له: افهم عني إنما قلت هذا ليبلغ عني العرب مخافة أن يقولوا إنا أخذنا حقه أو رضينا بصورته أو نجعنا بما لم تنجع به العرب، ونحن أعزهم وأجمعهم دارا.
فقال له بشر: لا والله لا أقبل ما خرج من رأسك أبدا، فضرب بشر ناقته، وهو مولي الأسقف ظهره ، حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ولم يزل معه حتى قتل بعد ذلك.
قال: ودخل الوفد نجران فأتى الراهب ليث بن أبي شمر الزبيدي وهو في رأس صومعته.
فقال له: إن نبيا بعث بتهامة، فذكر ما كان من وفد نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه عرض عليهم الملاعنة فأبوا وأن بشر بن معاوية دفع إليه فأسلم.
فقال الراهب: أنزلوني وإلا ألقيت نفسي من هذه الصومعة.
قال: فأنزلوه فانطلق الراهب بهدية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان منها هذا البرد الذي يلبسه الخلفاء بعد الرسول والعقب والعصا.
فأقام الراهب مدة بعد ذلك يسمع الوحي والسنن والفرائض والحدود، ثم رجع إلى قومه ولم يقدر له الإسلام ووعد أنه سيعود فلم يعد حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم.