اشتملت السيرة العطرة على العديد من الأحاديث الشريفة التي أظهرت جوانب الفضل والخير في شهر الفضل شهر رمضان المعظم.
وفي هذه السلسلة العطرة نستعرض خلال الشهر الكريم بعض مظاهر اهتمام السنة بخيرية رمضان وما اختصه الله به عن سائر الشهور علها تكون زاد ننتفع بها يضي لنا الطريق إلى الله في هذا الشهر الفضيل.
الحديث الخامس عشر:
قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:“إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: إنَّ الصَّوْم لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، إنَّ لِلصائِمِ فَرْحَتَيْنِ: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ اللهَ فَجَزاهُ فَرِحَ، وَالَذِي نَفْسُ مُحَمَد بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ.”رواه مسلم وهذا لفظه، وروى نحوه أحمد والنسائي
شرح الحديث
قَالَ الإمَامُ المناوي في فيض القدير: ( إن الله يقول: إن الصَّوْم لي ) أي لا يُتَعَبَّد به أحدٌ غيري، أو هو سرٌ بيني وبين عبدي، ( وأنا أجزي به ) صاحبه بأن أضاعف له ا
لجزاء من غير عدد ولا حساب (إن للصائم فرحتين إذا أفطر فرح) قَالَ القاضي: ثواب الصائم لا يُقَدِر قَدره ولا يَقْدِر على إحصائه إلا الله، لذلك يتولى جزاءه بنفسه ولا يكله إلى ملائكته، والموجب لاختصاص الصَّوْم بهذا الفضل أمران: أحدهما: أن جميع العبادة مما يطَلِع عليه العباد و
الصوم سرٌ بينه وبين الله يفعله خالصاً لوجهه ويُعامله به طالباً لرضاه، الثاني: أن جميع الحسنات راجعةٌ إلى صرف المال فيما فيه رضاه والصوم يتضمن كسر النفس وتعريض البدن للنقص والتحول مع مَا فيه من الصبر على مضض الجوع وحرقة العطش، فبينه وبينهما أمدٌ بعيد لخلوصه لله، أو بتوفيق الله له أو صومه وعونه، ويحتمل أن يكون المراد بفطره: يوم موته فإِنَّ المؤمن صام عن لذاته المحرمة طول عمره، فدهره في ذلك يوم موته وفطره في آخره، وذلك حين فرحه بما يرى مما أعدَّ الله له من الكرامات، وإذا لقي الله تعالى فجزاه فرح.
( والذي نفس محمد بيده ) أي بقدرته وإرادته ( لخلوف فم الصائم ) بضم الخاء أي تغيُر ريحه لخلو المعدة عن الطعام، ( أطيب عند الله ) وذلك يوم القيامة كما في خبر مسلم أو الدنيا كما يدل عليه خبرٌ آخر، ولا مانع من إرادتهما ( من ريح المسك ) قَالَ البيضاوي: هذا تفضيلٌ لما يُستَكْرَه من الصائم على أطيب مَا يُستَلَذُ من جنسه وهو المسك ليُقاس عليه مَا فوقه من آثار الصَّوْم ونتائجه، وقَالَ غيره: خصَه لأنهم يؤثرونه على غيره وهو استعارة لجريان عادتنا بتقريب الروائح الطيبة منا فاستعير ذلك لتقريبه من الله تعالى، وفي تعليق القاضي: إن للأعمال ريحاً تفوح يوم القيامة، فريح الصَّوْم منها كالمسك.