وصفة من السنة النبوية لعلاج الأوجاع النفسية
إذا تأخر تحقيق حلمك وطموح.. عليك بهذه الأشياء
في سعيك واجتهادك إياك أن تنسى هذا الأمر حتى لا يصيبك الإحباط
قال الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي، إن تأخر تحقيق الأحلام والطموحات في الحياة قد يؤدي إلى حالة من الإحباط، والتوقف عن الدعاء، وتراجع الجهد والهمة.
وقدّم خالد في الحلقة الرابعة عشر من برنامجه الرمضاني "نبي الإحسان"، وصفة من السنة النبوية، لعلاج هذه الأوجاع النفسية، على النحو التالي:
أولاً: إياك أن تتوقف عن الطمع في عطاء الله
فإن الله لا يحب الإنسان الكسول، بل يحب الإنسان الطموح، ويريد أن يطمعك في عطائه: لأن الإنسان أعظم ما خلق الله من الكائنات، فهو لايريد أن تصلي وتصوم فحسب، بل يريد أن تكون طموحًا، تعمر وتنجح.
وأورد خالد، أدلة من القرآن تحث على الطمع في عطاء الله، ومنها ما حكاه القرآن عن موسى عليه السلام: "رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير"، وما جاء عن سليمان عليه السلام: "رب اغفر لي وهب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي"، وقوله عن زكريا عليه السلام: "هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء"، وأيضًا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا".
وساق خالد أدلة من السيرة تحث على الطمع في عطاء الله وفضله، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الجنة أقرب لأحدكم من شراك نعله"، "إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس الأعلى".
وقال إن الدعاء باسم الله الأعظم يرفع سقف طموح الإنسان، والأحاديث عن ثواب رمضان كلها طمع في عطاء الله، "ليلة القدر خير من ألف شهر"، "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه".
ثانيًا: لا تدع التعجل وعدم الصبر يقتل طموحك
يأتي العطاء عندما تكون جاهزًا له، فلو أن الله يحبك سيحميك من العطاء إلى أن تجهز، لذا عليك: أن تجهز نفسك (الحل الإحسان.. طور نفسك.. أخرج أفضل ما عندك).
وقال خالد: يحدث الفتح عندما تصل لأحسن نسخة من نفسك مؤهله لحجم الفتح، والحياة مراحل.. كلما تنضج وتحسن نفسك يهيأ لك فتحًا على قدر هذه المرحلة.
وأوضح أن الفتح يحدث نتيجة الإحسان في ثلاث اتجاهات: مع الله عبادة (صلابتك الداخلية في مشوار الحياة)، مع الناس أخلاقًا (شبكة علاقات ودودة مع فريق تنجح معه)، مع الحياة إتقانًا وإبداعًا (تطوير نفسك وقدراتك وعلمك ومهاراتك).
وأشار خالد إلى أنه أثناء هذه الثلاثة تصبح نسختك الأحسن تحت التطوير، من خلال تحت التطوير، التجارب والخبرات مستمرة، الصعود والهبوط، الإخفاق والنجاح.
ثالثًا: أرضَ عن قدر الله
استمتع برحلة النسخة الأحسن ولو طالت بك السنين، لو أن الله يحبك، ستحدث كل نقلة في حياتك على قدر مستوى نضجك وجاهزيتك له.. حب قدر الله، ودع القدر هو من يقود حياتك للفتح.
أكد خالد أن هذه الوصفة سنة ثابتة دائمة، لأنها تتكرر بنفس الطريقة وأحيانًا بنفس الكلمات في القرآن والسنة.. ينزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم بآيات فيها نفس المعنى لتأكيد أنها طريقة ربانية.
وأورد نموذجًا لذلك، وهو قصة موسى عليه السلام، يقول القرآن: "ولما بلغ أشده واستوى أتيناه حكمًا وعلمًا وكذلك نجزي المحسنين"، ومعنى كلمة استوى: أي نضج، وربنا حكى قصته مع القدر في سورة طه "ولقد مننا عليك مرة أخرى.. ثم جئت على قدر يا موسى"، والمعنى أن تستوي وتحسن.
سيرة النبي
قال خالد إن الصحابة كان لديهم طموح كبير في فتح الله وانتصار الإسلام، لكن ذلك لم يحدث إلا بعد 20 عامًا، فقد كان عدد المسلمين حتى السنة الثالثة عشر من البعثة في مكة 100 فقط، وكان سن النبي صلى الله عليه وسلم 53 سنة، وفي غزوة بدر كان عدد المسلمين 313، وفي أحد 700، والخندق 1000، وصلح الحديبية 1400. فتح مكة 10 آلاف، حجة الوداع 120 ألفًا، فقد أسلم العرب، وبدأت نسخة جديدة، حيث فتحت مصر والشام والعراق.
وأبرز خالد، أربع نسخ متطورة من الصحابة، حيث كل نسخة أفضل تؤدي إلى فتح جديد.
النسخة الأولى: قصة تعذيب خباب بن الآرت
غضب النبي صلى الله عليه وسلم من خباب الأرت عندما ذهب له محبطًا، وقال له: ألا تدعو لنا؟، فأجابه: "والله ليتمن الله هذا الأمر حتى تسير المرأة من صنعاء إلى حضر موت وحدها لا تخشى إلا الله ( طريق فيه مئات قطاع الطرق)، وهذا طمع كبير في الأمان مع الإسلام، كل خوف لديك سيتحول إلى أمان.
ولهذا ظل النبي صلى الله عليه وسلم يجتمع مع الصحابة في دار الأرقم بن أبي الأرقم ليربيهم ويصل بهم إلى أفضل نسخة منهم (الوصول للإحسان)، وكان يربيهم على ثلاث أشياء: (عبادة – أخلاق – تطوير أنفسهم).
النسخة الثانية: الهجرة وسراقة بن مالك
كان سراقة بن مالك يتبع أثر النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة الهجرة إلى المدينة طمعًا في المكافأة التي رصدتها قريش، وعندما تعثر فرسه وآمن بالنبي، وعده بسواري كسرى، وحصل هذا بعد 20 سنة، عندما جاهزًا لها، ولو حصل هذا مبكرًا لكان أصبح ماديًا، لكن لما أسلم وحسن إسلامه حصل على ما وعده به الرسول: سواري كسرى.
النسخة الثالثة: غزوة بدر
غزوة بدر كانت فتحًا كبيرًا للمسلمين، سماها الله يوم الفرقان، وكان لابد أن يكون لها إعداد وإحسان كبير، لنسخة تصلح لنصر بدر، وكان أقوى إعداد نفسي لها: العبادة. لذلك كانت يوم 17 رمضان في أول سنة فرض فيها الصيام، فالعبادة ومواسم الطاعات جزء هام من تجهزك لأحسن نسخة.
خرج المسلمون في بدر ليحاصروا قافله تجارة كبيرة لقريش يقودها أبوسفيان، وذلك لتضييق الخناق على قوافل قريش لإضعاف اقتصادها حتى تضطر للسلام مع المسلمين.
لكن أبا سفيان عرف بخروج النبي، وأرسل ضمضم الغفاري إلى مكة، ودخل على جمله بالمقلوب وقد جرح ومزق هدومه، وهو يقول: يا معشر قريش الغوث الغوث.. اللطيمة اللطيمة.. فاجتمعوا عند الكعبة، قال لهم: محمد حاصر تجارتكم عند بدر.. ققال أبوجهل: فلتخرج قريش لقتال محمد، يدفعهم الله دفعًا لمقتلهم على الرغم من عدم جاهزيتهم.
تجاوز أبو سفيان منطقة الخطر أرسل رسالة أخرى يعلم قريشًا بنجاة القافلة، ويطلب منهم العودة إلى مكة: وَيَقُولُ: لا تعرضوا أنفسكم للقتل على يد أهل يثرب،لكن رسالة أبي سفيان لم تفلح في رد المشركين إلى مكة، وسبب ذلك يعود إلى شخصية أبي جهل وأزمته النفسية والقيادية، فقد كان لا زال منصبًا نفسه زعيمًا لقريش، فاتخذ موقفًا متشددًا فيه قدر كبير من العنجهية والتصلب فاستمر يحشد الناس للخروج لبدر.
أراد عتبة أن يأخذ برسالة أبي سفيان ويرجع بقريش إلى مكة، فرفض ذلك أبو جهل، وشن هجومًا عنيفًا على عتبة، متهمًا إياه بالجبن والضعف.
فانسحبت قبيلتان من قبائل قريش، ادعى قائدهما المرض وانسحب، لأنه لا يريد أبو جهل قائدًا عليه، نشأ نزاع في قيادة الجيش بين أبي جهل وعتبة بن ربيعة؛ فالأخير هو الأكبر سنًا ومكانةً في قريش، وهو بذلك يستحق أن يكون سيد قريش، لكن أبا جهل يريد أن يكون هو الزعيم.
عانى جيش المشركين من التردد، وعدم وجود قيادة موحدة، وغابت الرؤية الواضحة لهدفه، وكلمة أبي جهل تجعل من هدف المسير الدعاية والإعلام، لا التخطيط ولا غيره: "والله لا نرجع حتى نَرِدَ بَدْراً تَسْمَعُ بِنَا الْعَرَبُ وَبِمَسِيرِنَا، فَنُقِيمُ ثَلَاثًا عَلَى بَدْرٍ نَنْحَرُ الْجُزْرَ، وَنُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَنَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَتَعْزِفُ الْقِيَانُ عَلَيْنَا، فَلَنْ تَزَالَ الْعَرَبُ تَهَابُنَا أَبَداً".
في المقابل، كان المسلمون في منتهى الوحده والحب والطاقة والالتفاف حول النبي الذي سار لمسافة 150 كيلومترًا مع علي ومرثد، وفي الوقت الذي لا يستطيع سيد مثل عتبة بن ربيعة أن يبدي رأيه في مواجهة قائد فظ شديد التعنت يقف شاب أنصاري هو الحباب بن المنذر أمام النبي القائد الأعلى للجيش، ويسأله بأدب واحترام عن سبب اختيار مكان المعسكر، أهو تقدير شخصي من النبي أم هو وحي من الله لا تجوز مخالفته؟ فيرد النبي: بل أنه الرأي والحرب والمكيدة، عندها يعلق الحباب الذي لم يتجاوز بعد الرابعة والعشرين من عمره، ولم يكن سيداً بارزًاً في قومه، يعلق تعليقًا صريحًا فيقول: فإن هذا ليس بمنزل! ولما كان عليمًا بطبيعة بدر وآبارها، قدم اقتراحًا له علاقة بمسرح المعركة، ويقترح أن يتقدم المسلمون إلى الأمام لكي تكون آبار الماء ضمن حدود معسكرهم، فيمتازون بذلك عن المشركين بالوصول إلى الماء ويردمون باقي الآبار حتى يحرموا العدو من الوصول للماء.
كان جند المسلمين أكثر من 300 بقليل، وجند المشركين زادوا على ثلاثة أضعافهم، إلا أن المسافة الفارقة بين الجيشين المتقابلين هائلة، وهذا ترتيب الله، دفعهم دفعًا للنصر، فيغط المسلمون في النوم فجر المعركة "إذ يعشيكم النعاس أمنة منه"، وفي يوم المعركة نزل المطر يكفيهم ولا يؤذيهم، "إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم".
ويدعو النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض.. أقوى تحسين لك: العبادة وأقوى طمع في عطاء الله: الدعاء.. ويتذلل حتى وقع رداءه وظهر بياض أبطيه، فيقول له أبوبكر: هون عليك فوالله لا يخزيك الله، فقال: أبشر يا أبا بكر هذا جبريل أخذ بعنان فرسه يقود 1000 من الملائكة، "إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان".
شاهد الحلقة: