هل سنتذكر في الجنة ما مر بنا في الدنيا من مواقف حزينة ومؤلمة؟
بقلم |
فريق التحرير |
الاربعاء 24 ابريل 2024 - 08:38 م
لو رزقنا الله دخول الجنة ـ أسأل الله تعالى أن يدخلنا إياها ومن نحب ـ، هل ننسى ما حصل من مواقف حزينة في الدنيا؟ مثلا في مواقف تكدر الخاطر هل ننساها بالجنة؟ أم نتذكرها لكن لا نحزن بسببها؟ وهل الإنسان يفقد ذاكرته بالجنة، ويبدأ حياة جديدة، أم يتذكر كل شيء؟
والحزن في قوله تعالى الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن يشمل كل حزن قاسوه.
قال "الطبري": "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء القوم الذين أكرمهم بما أكرمهم به أنهم قالوا حين دخلوا الجنة الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن وخوف دخول النار من الحزن، والجزع من الموت من الحزن، والجزع من الحاجة إلى المطعم من الحزن، ولم يخصص الله إذ أخبر عنهم أنهم حمدوه على إذهابه الحزن عنهم نوعًا دون نوع، بل أخبر عنهم أنهم عموا جميع أنوع الحزن، بقولهم ذلك، وكذلك ذلك، لأن من دخل الجنة فلا حزن عليه بعد ذلك، فحمدهم على إذهابه عنهم جميع معاني الحزن"، انتهى، "تفسير الطبري" (19/ 379).
قال ابن كثير: "والنصب واللغوب: كل منهما يستعمل في التعب، وكأن المراد ينفي هذا وهذا عنهم؛ أنهم لا تعب على أبدانهم ولا أرواحهم، والله أعلم.
فمن ذلك أنهم كانوا يُدْئِبون أنفسهم في العبادة في الدنيا، فسقط عنهم التكليف بدخولها، وصاروا في راحة دائمة مستمرة، قال الله تعالى: كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية"، انتهى من "تفسير ابن كثير" (6/ 552).
وفي هذا الحديث: حث عظيم على عدم الركون إلى نعيم الدنيا، والاغترار بما فيها؛ فإن ذلك عما قريب يزول، ولا يبقى له أثر؛ إنما الذي يبقى: النعيم المقيم، في جنة الخلد.
قال ابن الجوزي، رحمه الله: " هذا الحديث يحث على مراعاة العواقب، فإن التعب إذا أعقب الراحة هان، والراحة إذا أثمرت النصب فليست راحة؛ فالعاقل من نظر في المآل، لا في عاجل الحال.
وقد كشف هذا المعنى الحديث الذي بعده: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات).
وقد قالت الحكماء: لا تنال الراحة بالراحة، وقل أن يلمع برق لذة إلا وتقع صاعقة ندم" انتهى، من "كشف المشكل" (3/310). وينظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (5/387).
ومما يدل على أن الغمس في نعيم الجنة، يذهب كل بؤس سبقه، حتى بؤس العذاب في النار لمن دخلها، إضافة إلى تغير هيئاتهم وأحوالهم بعد الإلقاء في نهر الحياة، ما رواه "مسلم": (2836)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ).
وهذا النعيم المؤكد بنفي البؤس عمن يدخل الجنة، عام في كل من يدخلها، سواء دخل النار قبلها، أو لم يدخل.
قال القاضي: "معناه أن الجنة دار الثبات والقرار، وأن التغير لا يتطرق إليها؛ فلا يشوب نعيمها بؤس، ولا يعتريه فساد ولا تغيير.." نقله في "تحفة الأحوذي": (7/194).
"والمعنى: إنهم وإن طال تمتعهم بنعيم الدنيا، فإذا أتاهم العذاب لم يُغنِ طول التمتع عنهم شيئًا، ويكون كأنهم لم يكونوا في نعيم قط".
من تمام نعيم أهل الجنة أنهم يتذكرون ما حصل لهم في الدنيا، وما أبدلهم الله به من النعيم، وهذا التذكر لا يصيبهم بالحزن، بل يتذكرون به ما هم فيه من النعيم المقيم، وما تفضل الله به عليهم من منن وكرامة.
فالبؤس المنفي، هو البؤس الذي ينالهم وهم في هذه الدار، أو الهم والحزن؛ ودار النعيم: من دخلها، ينعم، فلا يبأس، ويفرح، فلا يحزن، ويأمن، فلا يهتم ولا يغتم.
وإنما يتذكر ما كان فيه من النصب، والهم، والتعب، كما يتذكر المريض، إذا أنعم الله عليه بتمام العافية، فيتنعم بالحال التي هو فيها، ويشكر الله على ما أذهب عنه من خلافها؛ فلا يبقى في بدنه، ولا نفسه إلا النعيم، وهناءته.
ومما يدل على تذكرهم بعض ما مروا به في الدنيا، قوله سبحانه: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) الطو/25-28.