امرأة صامت في رمضان، فأفطرت متعمدة، ثم حاضت في ذلك اليوم، فماذا يجب عليها؟ القضاء فقط أم الكفارة معا، أم لا شيء عليها؟
تبين لجنة الفتوى بسؤال وجواب ان الافطار عمدا فى نهار رمضان بلا عذر من كبائر الذنوب.
وتضيف بان فى وجوب الكفارة لمن افطر عمدا في نهار رمضان اراء:
أولا:الإفطار في نهار رمضان بغير عذر كبيرة من كبائر الذنوب؛ لما روى ابن خزيمة (1986)، وابن حبان (7491) عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضَبْعيّ -الضَّبْع هو العَضُد- فأتيا بي جبلا وعِرا، فقالا: اصعد فقلت: إني لا أطيقه. فقالا: إنا سنسهله لك. فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل، إذا بأصوات شديدة، قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء أهل النار.
ثم انطلقا بي، فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دما، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم.
ثانيا:
إذا أفطرت المرأة متعمدة في نهار رمضان، ثم حاضت، فقد أثمت بفطرها، ويلزمها قضاء اليوم، وأما الكفارة ففيها تفصيل:
1-فإن أفطرت بالجماع، فعليها الكفارة، وهي عتق رقبة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم تستطع فإطعام ستين مسكينا.
2-وإن أفطرت بغير الجماع، كما لو أفطرت بالأكل أو الشرب، ففي وجوب الكفارة خلاف، ومذهب الشافعي وأحمد رحمهما الله اختصاص الكفارة بالجماع.
وذهب أبو حنيفة ومالك رحمهما الله إلى إيجاب الكفارة على من أفطر بغير عذر، سواء كان فطره بالجماع أو بالأكل والشرب.
والراجح ما ذهب إليه الشافعي وأحمد؛ اقتصارا على ما ورد به النص، وهو إيجاب الكفارة على المجامع.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/300) : "أريد أن أعرف موجبات القضاء والكفارة في رمضان، علماً أنه سبق أن بحثت الموضوع، وانتهى بي البحث إلى رأيين: أحدهما يرى أن موجبات القضاء والكفارة هو الجماع لا غير، والدليل معروف في السنة المطهرة. أما الرأي الثاني: فيجعل كل ما يصل إلى المعدة عمداً موجباً للقضاء والكفارة، إضافة إلى الجماع دون أن أعثر على دليل من الكتاب والسنة.
لذا أرجو من فضيلتكم إفادتي بالجواب الشافي المدعم بالدليل من الكتاب والسنة، وجزاكم الله عنا وعن المسلمين كل خير.
الجواب: نص النبي صلى الله عليه وسلم على الحكم بوجوب الكفارة على أعرابي لكونه جامع زوجته عمداً في نهار رمضان وهو صائم..
فكان ذلك منه صلى الله عليه وسلم بياناً لمناط الحكم، ونصاً على علته.
واتفق الفقهاء على أن كونه أعرابياً وصف طردي لا مفهوم له، ولا تأثير له في الحكم، فتجب الكفارة بوطء التركي والأعجمي زوجته.
واتفقوا أيضاً على أن وصف الزوجة في الموطوءة طردي غير معتبر، فتجب الكفارة بوطء الأمة وبالزنا.
واتفقوا أيضاً على أن مجيء الواطئ نادماً لا أثر له في وجوب الكفارة، فلا اعتبار له أيضاً في مناط الحكم.
ثم اختلفوا في الجماع: هل هو وحده المعتبر في وجوب الكفارة بإفساد الصوم به فقط، أو المعتبر انتهاك حرمة رمضان بإفساد الصوم عمداً ولو بطعام أو شراب؟
فقال الشافعي وأحمد بالأول، وقال أبو حنيفة ومالك ومن وافقهما بالثاني.
ومنشأ الخلاف بين الفريقين: اختلافهما في تنقيح مناط الحكم، هل هو انتهاك حرمة صوم رمضان بإفساده بخصوص الجماع عمداً، أو انتهاكه بإفساد صومه عمداً مطلقاً ولو بطعام أو شراب؟
والصواب الأول؛ تمشياً مع ظاهر النص، ولأن الأصل براءة الذمة من وجوب الكفارة حتى يثبت الموجب بدليل واضح.
ثالثا:
مذهب الحنفية كما قدمنا أن الكفارة تجب بالأكل عمدا، لكن إن طرأ على المفطرة حيض أو نفاس في نفس اليوم بعد فطرها، سقطت الكفارة.
قال في مراقي الفلاح، ص250: "
(تسقط الكفارة) التي وجبت بارتكاب مقتضيها (بطروء حيض أو نفاس، أو) طروء (مرض مبيح للفطر)؛ بأن يكون بغير صنع من وجبت عليه قبل وجود العذر.
(في يومه) أي يوم الإفساد الموجب للكفارة؛ لأنها إنما تجب في صوم مستحق، وهو لا يتجزأ، ثبوتا وسقوطا، فتمكنت الشبهة في عدم استحقاقه من أوله، بعروض العذر في آخره.
وأما إذا كان المرض بصنعه، كأن جرح نفسه، أو ألقاها من جبل أو سطح، فالمختار أنها لا تسقط الكفارة عنه، قاله الكمال" انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (28/ 60): " مما يوجب القضاء والكفارة، عند الحنفية والمالكية: الأكل والشرب.
فإذا أكل الصائم، في أداء رمضان أو شرب غذاء أو دواء، طائعا عامدا، بغير خطأ ولا إكراه ولا نسيان، أفطر وعليه الكفارة.
وضابطه عند الحنفية: وصول ما فيه صلاح بدنه لجوفه، بأن يكون مما يؤكل عادة على قصد التغذي أو التداوي أو التلذذ، أو مما يميل إليه الطبع، وتنقضي به شهوة البطن، وإن لم يكن فيه صلاح البدن، بل ضرره.
وشرطوا أيضا لوجوب الكفارة: أن ينوي الصوم ليلا، وأن لا يكون مكرها، وأن لا يطرأ عذر شرعي لا صنع له فيه، كمرض وحيض.
وشرط المالكية: أن يكون إفساد صوم رمضان خاصة، عمدا، قصدا لانتهاك حرمة الصوم، من غير سبب مبيح للفطر" انتهى.
وعليه؛ فيلزم هذه المرأة التوبة والقضاء، ولا يلزمها الكفارة؛ إلا إن كان فطرها بالجماع.
فإن كان فطرها بالأكل أو الشرب، لم يلزمها كفارة في مذهب الشافعي وأحمد، وكذا في مذهب أبي حنيفة لطروء الحيض عليها في يومها.