البركة: أن يُؤتى الشيءُ من ثمره فوقَ المأمول منه، وأكثر مما يُظنّ فيه، كأن تُعِد طعاماً لشخصين، فيكفي خمسة أشخاص فتقول: طعام مبارَك.
وقول الحق سبحانه: {بَارَكْنَا حَوْلَهُ ..} [الإسراء: 1]. دليل على المبالغة في البركة، فإنْ كان سبحانه قد بارك ما حول الأقصى، فالبركة فيه من باب أَوْلى، كأن تقول: مَنْ يعيشون حول فلان في نعمة، فمعنى ذلك أنه في نعمة أعظم.
لكن بأيّ شيء بارك الله حوله؟
لقد بارك الله حول المسجد الأقصى ببركة دنيوية، وبركة دينية: بركة دنيوية بما جعل حوله من أرض خِصْبة عليها الحدائق والبساتين التي تحوي مختلف الثمار، وهذا من عطاء الربوبية الذي يناله المؤمن والكافر.
وبركة دينية خاصة بالمؤمنين، هذه البركة الدينية تتمثل في أن الأقصى مَهْد الرسالات ومَهْبط الأنبياء، تعطَّرَتْ أرضه بأقدام إبراهيم وإسحاق ويعقوب وعيسى وموسى وزكريا ويحيى، وفيه هبط الوحي وتنزلتْ الملائكة.
وقوله: {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ ..} [الإسراء: 1]. اللام هنا للتعليل.
كأن مهمة الإسراء من مكة إلى بيت المقدس أن نُرِي رسول الله الآيات، وكلمة: الآيات لا تُطلق على مطلق موجود، إنما تطلق على الموجود العجيب، كما نقول: هذا آية في الحُسْن، آية في الشجاعة، فالآية هي الشيء العجيب.
ولله عز وجل آيات كثيرة منها الظاهر الذي يراه الناس، كما قال تعالى: { { وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ .. } [فصلت: 37]. { { وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلْجَوَارِ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ } [الشورى: 32].
والله سبحانه يريد أن يجعل لرسوله صلى الله عليه وسلم خصوصية، وأن يُريه من آيات الغيب الذي لم يَرَهُ أحد، ليرى صلى الله عليه وسلم حفاوة السماء به، ويرى مكانته عند ربه الذي قال له: { { وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } [النحل: 127].
لأنك في سَعة من عطاء الله، فإن أهانك أهل الأرض فسوف يحتفل بك أهل السماء في الملأ الأعلى، وإنْ كنت في ضيق من الخَلْق فأنت في سَعة من الخالق.