تنتشر الفتن في هذه الأزمنة انتشارًا واسعًا لاسيما مع اقتراب الساعة وظهور بعض علامات يوم القيامة، ففي حديث العرباض بن سارية عند الترمذي قال صلوات الله عليه وسلامه: (إنَّه مَن يَعِشْ منكم بعدي، فسيرى اختلافًا كثيرًا...)[رواه أحمد وأبو داود والنسائي].
الفتن قبل قيام الساعة:
ومما يدل على أنه بين يدي الساعة فتن كثيرة منها ما قاله صلى الله عليه وسلم: (إن أمتَكم هذه جُعِلَتْ عافيتُها في أولِها، وإن آخرَها سيُصِيبُهم بلاءٌ وأمورٌ يُنْكِرُونها، تَجِيءُ فتنٌ فيُرَقِّقُ بعضُها لبعضٍ، فتَجِيءُ الفتنةُ فيقولُ المؤمنُ: هذه مُهْلِكَتي. ثم تَنْكَشِفُ، ثم تجيءُ فيقولُ: هذه مُهْلِكَتي. ثم تَنْكَشِفُ، فمَن أحبَّ منكم أن يُزَحْزَحَ عن النارِ، ويُدْخَلَ الجنةَ فلتُدْرِكْه موتَتُه، وهو مؤمنٌ باللهِ واليومِ الآخرِ، وليَأْتِ إلى الناسِ ما يُحِبُّ أن يُؤْتَى إليه)[النسائي وابن ماجه].
أيضا جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام: (سَتَكُونُ فِتَنٌ القاعِدُ فيها خَيْرٌ مِنَ القائِمِ، والقائِمُ فيها خَيْرٌ مِنَ الماشِي، والماشِي فيها خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، ومَن يُشْرِفْ لها تَسْتَشْرِفْهُ، ومَن وجَدَ مَلْجَأً أوْ مَعاذًا فَلْيَعُذْ بهِ)، وقال صلى الله عليه وسلم: (بادروا بالأعمالِ فتَنًا كقطعِ اللَّيلِ المظلمِ، يصبحُ الرَّجلُ مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبحُ كافرًا يبيعُ أحدُهم دينَهُ بعرضٍ منَ الدُّنيا)[رواه مسلم وأحمد والترمذي].
مظاهر فتن آخر الزمان:
وتتعدد أشكال وصور الفتن قبل قيام الساعة ومن مظاهرها كثرة القتال والتحارب ومن هذا ما جاء في الحديث الشريف أن الرسول صلى اله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة دعوتهما واحدة، وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله، وحتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج وهو القتل، وحتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه لا أرب لي به، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه، وحتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس يعني آمنوا أجمعون فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا، ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها".
انتشار الكذب والخيانة:
ومن مظاهر الفتن أيضا انتشار الكذب والخيانة فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيأتِي على الناسِ سنواتٌ خدّاعاتٌ؛ يُصدَّقُ فيها الكاذِبُ، ويُكذَّبُ فيها الصادِقُ، ويُؤتَمَنُ فيها الخائِنُ، ويخَوَّنُ فيها الأمينُ، وينطِقُ فيها الرُّويْبِضَةُ. قِيلَ: وما الرُّويْبِضةُ؟ قال: الرجُلُ التّافِهُ يتَكلَّمُ في أمرِ العامةِ).
النجاة من الفتن:
ولقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على بيان سبل النجاة من هذه الفتن وذلك بعدة أمور منها كثرة الدعاء فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بكَ من الفِتَنِ، ما ظهَرَ منها، وما بطَنَ)[رواه أحمد وصححه الأرناؤوط]، وكان أيضا من دعائه: (اللَّهُمَّ إنِّي أَسألُكَ فِعلَ الخيراتِ، وتَركَ المُنكراتِ، وحُبَّ المساكينِ، وأنْ تَغفِرَ لي وتَرْحمَني، وإذا أَردتَ بقومٍ فِتنةً فتَوفَّني إليكَ، وأنا غيرُ مفتونٍ)[الطبراني والحاكم في المستدرك].
أيضا البعد عن البعد والشبهات ففي الحديث :(فإنَّه مَن يَعِشْ منكم فسيَرَى اختِلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدينَ المَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ، وإيَّاكم ومُحدَثاتِ الأُمورِ؛ فإنَّ كُلَّ بِدعةٍ ضَلالةٌ).
أيضا البعد عن مظان الفتن وعدم التعرض لها (... ومَن يُشْرِفْ لها تَسْتَشْرِفْهُ، ومَن وجَدَ مَلْجَأً أوْ مَعاذًا فَلْيَعُذْ بهِ).
ومن سبل النجاة ألا تقف عند الفتن ولا تسعى لها بل تنكرها حتى لا تشربها ويتغير القلب منها ففي الحديث: (تعرض علَى القُلُوبِ كالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فأيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَها، نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ سَوْداءُ، وأَيُّ قَلْبٍ أنْكَرَها، نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ بَيْضاءُ، حتَّى تَصِيرَ علَى قَلْبَيْنِ، علَى أبْيَضَ مِثْلِ الصَّفا فلا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ ما دامَتِ السَّمَواتُ والأرْضُ، والآخَرُ أسْوَدُ مُرْبادًّا كالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، ولا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إلَّا ما أُشْرِبَ مِن هَواهُ)[رواه مسلم].