ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية، يقول: "ما حكم الوضوء قبل النوم، وقبل الطعام، وقبل معاودة الجماع؟".
وأجاب الدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية بأن الوضوء للنوم، أو الأكل والشرب، أو معاودة جماع الزوجة- مستحب، وليس بواجب.
وذكر أن الوضوء يجلب محبة الله سبحانه وتعالى للعبد، وأيُّ نعمة أفضل من هذه المحبة؟! يقول سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: 222].
وأشار إلى أن الوضوء من أسباب مغفرة الذنوب، ويدل على ذلك ما أخرجه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوِ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ».
ودلل أيضًا بما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الحث على النوم على وضوءٍ؛ فقد روى الشيخان عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلِ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ. فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ».
اقرأ أيضا:
هل جاء في الإسلام أن صوت المرأة عورة؟وقال المفتي: "وقد حمل جمهور الفقهاء الأمر الوارد في الحديث على الندب والاستحباب، فالوضوء للنوم والأكل والشرب ولمعاودة وطء، مستحب عندهم وليس بواجب؛ لعدم مناسبة الطهارة لهذه الأشياء، وذلك أن الطهارة إنما فرضت في الشرع لأحوال التعظيم كالصلاة، وذهب أهل الظاهر إلى وجوبه".
واستدلوا على ذلك بأحاديث منها: ما رواه الإمام مسلم عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ".
فيما استدل أهل الظاهر على وجوبه بظاهر حديث سيدنا عمر رضي الله عنه: أنه ذكر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه تصيبه جنابة من الليل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَك ثُمَّ نَمْ»، فاستدلوا بأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمر بالوضوء؛ كما في رواية البخاري: «تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَك ثُمَّ نَمْ»، وَفِي لفظ للبخاري: «نَعَمْ، وَيَتَوَضَّأُ»، وأن الأمر بالوضوء جاء في بعضها بصيغة الشرط فاقتضى الوجوب.
لكنه رد على ما ذهب إليه أهل الظاهر بأنه ورد من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يدل على عدم الوجوب، والواجب الجمع بين الأدلة ما أمكن؛ فحمل الأمر على الاستحباب، لا سيَّما أنه هنا قد تعلق بالعادات؛ قال الإمام أبو حامد الغزالي في "المستصفى" (ص: 274-275، ط. دار الكتب العلمية): [فما عرف بقوله إنه تعاطاه بيانًا للواجب؛ كقوله عليه الصلاة والسلام: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»، و«خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»، أو علم بقرينة الحال أنه إمضاء لحكم نازل؛ كقطع يد السارق من الكوع، فهذا دليل وبيان، وما عرف أنه خاصيته فلا يكون دليلًا في حق غيره، وأما ما لم يقترن به بيان في نفي ولا إثبات فالصحيح عندنا أنه لا دلالة له، بل هو متردد بين الإباحة، والندب، والوجوب، وبين أن يكون مخصوصًا به، وبين أن يشاركه غيره فيه، ولا يتعين واحد من هذه الأقسام إلا بدليل زائد، بل يحتمل الحظر أيضًا... وقال قوم: إنه على الحظر، وقال قوم على الإباحة، وقال قوم على الندب، وقال قوم على الوجوب إن كان في العبادات، وإن كان في العادات فعلى الندب، ويستحب التأسي به] اهـ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.