تقول الحكمة: (حقًا مريض الأهل لا يُشفى)، وبالفعل الأمر جلل، وعلى الآباء أن ينتبهوا لذلك جيدًا.. نعم وجه ابنك ولكن دون تطرف في التعامل، أو التقليل من شأنه، خصوصًا بعد أن يكبر أمامك، لا تهينه أو تحرمه، واعلم يقينًا أن هذه الشدة لن تخرجه رجلاً شديدًا، وإنما ستخرجه مريضًا نفسيًا، وللأسف مؤخرًا شاهدنا العديد من الشباب يُقدم على الانتحار، تاركًا رسالة لوالده يحمله فيها المسئولية عن ذلك، فكيف بنا أصبحنا قساة إلى هذه الدرجة حتى على فلذة أكبادنا؟.
قإنما أولادكم أمانة عندكم، ستسألون عنهم بين يدي الله تعالى يومًا.. ستسأل لماذا قصرت في تربيتهم؟.. ولماذا بخلت عليهم بالاحتواء؟.. ولماذا لا تنفق عليهم؟.. ولماذا ولماذا ولماذا؟.. فأنتم أمناء عليهم، فأحسنوا إكرام الأمانة!.
عقوق الآباء
بالتأكيد الشائع بين الناس هو عقوق الأبناء، لكن أن يكون هناك عقوق آباء، فهو أمر ربما لم يعتده الناس من قبل، إلا أنه للأسف بات أمرًا واقعًا، فالأبناء مسئولية والتي قال عنها النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته»، فهذه المسئولية التي ستسأل عنها، كيف بك تضيعها، أو لا تراعيها حق رعايتها، فعلى الآباء أن يدركوا طبيعة المرحلة التي يعيشها أبناؤهم، وأن يدركوا أيضًا أن الأجيال مختلفة، وأن التأثيرات في البيئة المحيطة تحدث نوعًا من التغيير.
ولهذا ما أحسن ما كان يعالج به النبي صلى الله عليه وسلم خطأ الناس، ومثال ذلك الشاب الذي جاء يستأذنه في الزنا، وكاد الصحابة أن يجنوا من طلبه وأن يبطشوا به، ولكنه قربه منه، وكلمه بحوار العقل والقلب، وطرح عليه أسئلة تهدم، بالحوار البناء، رغبته الهدامة، فقال له: «أترضاه لأمك؟، قال: لا والله يا رسول الله. فقال له صلى الله عليه وسلم: فإن الناس لا يرضونه لأمهاتهم.. أترضاه لأختك؟ قال: لا والله يا رسول الله؟ قال: فإن الناس لا يرضونه لأخواتهم
وما زال به يذكر أقاربه من عمته وخالته، ثم وضع يده على قلبه، ودعا له بالهداية»، فخرج الشاب وهو يقول: والله يا رسول الله ما كان أحب إلى قلبي من الزنى، والآن ما أبغض إلى قلبي من الزنى. فإن رأى الآباء شيئا يكرهونه من أبنائهم، فليكن الحوار هو السبيل الأمثل للاقتناع لأجل ترك شيء، أو فعل شيء.
اقرأ أيضا:
"إلي مثواه الأخيرة " خطأ شرعي فتجنبه ..لهذه الأسبابلا تستبد
عزيزي الأب، نعم لك الولاية على ابنك، لكن إياك أن تكون مستبدًا.. إياك أن تفرض عليك رأيك بدعوى أنك تفهم أكثر منه، أو أن تشعره بأنه لا رأي نهائي له، بل اجعله يكون رأيه الخاص به هو، ويشعر بأنه مكتمل الرجولة والمسئولية.
وهكذا ابنتك، حاورها وناقشها، وإياك أن تجبرها، فهناك للأسف آباء يجبرون بناتهم على الزواج والله يمنع ذلك نهائيًا، قال تعالى: «وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (النور 33).
وإياك أن تفضل أحدهم على الآخر، واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفض أن يشهد على هبة والد لأحد أبنائه، وقال له: «إني لا أشهد على جور».