الدار أشارت في الفتوي المنشورة علي الصفحة الرسمية علي شبكة التواصل الاجتماعي "فيس بوك " إلي أن الله لم يوجب الزكاة في جميع الأموال، بل أوجبها في عدة أنواع جاء بها الكتاب والسنة؛ كالأنعام والزروع والثمار وعروض التجارة والنقود، وإنما تجب في كلٍّ من هذه الأموال بشروط خاصة حددها الفقهاء بناء على الكتاب الكريم والسنة المطهرة؛
الدار أشارت كذلك إلي أن من الشروط التي وجب بها الزكاة في النقود بلوغُ النصاب، وهو ما يُقدر بخمسة وثمانين جرامًا من الذهب عيار 21، وحولانُ الحول؛ أي مرور عام هجري على النصاب كاملًا، ولذلك أجمع الفقهاء على أن من لم يملك نصاب زكاة النقد فما يُخرجه من مال بنية الزكاة لا يجوز له أن يحسبه من زكاة ماله إن وجبت عليه بعد ذلك؛
الدار استدركت في الفتوي قائلة :إن بلغ ما لديه من مالٍ النصابَ في عامه فلا يجوز له أن يحسب المال الذي أخرجه قبل بلوغ ماله النصاب من مال الزكاة؛ بل هو تطوع؛ قال العلامة ابن قدامة في "المغني" : [ولا يجوز تعجيل الزكاة قبل ملك النصاب بغير خلاف علمناه، ولو ملك بعض نصاب فعجَّل زكاته أو زكاة نصاب لم يجُز؛ لأنه تعجل الحكم قبل سببه]
وتابعت :أما إن كان ما عنده من نقد بالغًا النصابَ فعجَّل زكاته قبل تمام الحول فقد ذهب المالكية أيضًا إلى عدم إجزائها إلا إذا كان التعجيل بشيء يسير؛ لما أخرجه الترمذي وأحمد -واللفظ له- وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لَيْسَ في مالٍ زكاةٌ حتَّى يحولَ عليه الحولُ»، ولأن الحول أحد شرطي الزكاة؛ قال العلامة ابن قدامة في المغني (2/ 471، ط. مكتبة القاهرة): "ولأن الحول أحد شرطي الزكاة؛ فلم يجُز تقديم الزكاة عليه كالنصاب، ولأن للزكاة وقتًا فلم يجُز تقديمها عليه كالصلاة"
وذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة بحسب فتوي دار الإفتاء إلى أنه يجوز تعجيل الزكاة قبل حولان الحول على النصاب؛ فإن تمَّ الحول والمال بالغٌ النصابَ فيجوز له أن يحسب ما أخرجه من زكاة ماله الواجبة.
كما أكدت فتوي الدار فقد استدل الجمهور بما أخرجه الترمذي وغيره أنه صلى الله عليه وآله وسلم استسلف صدقة العباس قبل محلها، وما رواه أبو داود وغيره من أن العباس رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له.كما احتجوا بأنه بكمال النصاب حصل الوجوب؛ لاجتماع شرائط الزكاة من النصاب النامي، وغنى المالك، وحولان الحول؛ قال الإمام السرخسي في "المبسوط" و روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه استسلف من العباس صدقة عامين، ثم بكمال النصاب حصل الوجوب على أحد الطريقين لاجتماع شرائط الزكاة من النصاب النامي، وغنى المالك، وحولان الحول، تأجيل وتعجيل الدين المؤجل صحيح، وعلى الطريق الآخر: إن سبب الوجوب قد تقرّر وهو المال والأداء بعد تقرر سبب الوجوب جائز؛ كالمسافر إذا صام في رمضان، والرجل إذا صلى في أول الوقت جاز؛ لوجود سبب الوجوب وإن كان الوجوب متأخرا" ـ.
ووفقا للفتوي فقد أجابوا عن استدلال المالكية بأن للزكاة وقتًا كالصلاة والصوم بما قاله العلامة ابن قدامة في "المغني" وقولهم: إن للزكاة وقتا. قلنا: الوقت إذا دخل في الشيء رفقًا بالإنسان، كان له أن يعجله ويترك الإرفاق بنفسه؛ كالدين المؤجل، وكمن أدى زكاة مال غائب، وإن لم يكن على يقين من وجوبها، ومن الجائز أن يكون المال تالفًا في ذلك الوقت، وأما الصلاة والصيام فتعبد محض، والتوقيت فيهما غير معقول، فيجب أن يقتصر عليه".
الدار أشارت إلي أنه وبعد اتفاق الحنفية والشافعية والحنابلة على جواز تعجيل زكاة النقد لعامه اختلفوا في جواز التعجيل لأكثر من عام؛ فذهب الحنفية، وهو وجه عند الشافعية ورواية عند الحنابلة، إلى أنه يجوز تعجيل الزكاة بشروطه لسنة أو أكثر؛ قال الإمام ابن مودود الموصلي الحنفي في "المختار للفتوى بشرحه الاختيار" ومن ملك نصابًا فعجَّل الزكاة قبل الحول لسنة أو أكثر أو لنُصُب جاز".
وقال الإمام العمراني الشافعي في "البيان" وهل يجوز تعجيل الزكاة لعامين، أو أكثر فيه وجهان وكذلك قال العلامة ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 473): [إذا عجل الزكاة لأكثر من حول ففيه روايتان؛ إحداهما: لا يجوز؛ لأن النص لم يرد بتعجيلها لأكثر من حول. والثانية: يجوز.
.بينما توسط الحنابلة فأجازوا التعجيل لعامين فقط لحديث العباس رضي الله عنه، ولأن التعجيل مخالف للقياس فيُقتصر فيه على ما ورد به النص؛ قال العلامة البهوتي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 451، ط. عالم الكتب): [ويجزئ تعجيلها؛ أي: الزكاة -وتركه أفضل- (لحولين)؛ لحديث أبي عبيد في "الأموال" عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تعجل من العباس صدقة سنتين، ويعضده رواية مسلم: «فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا»، وكما لو عجل لعام واحد (فقط)؛ أي: لا أكثر من حولين، اقتصارًا على ما ورد مع مخالفته القياس".
ولكل ما سبق اجازت الدار بحسب قول جمهور الفقهاء على جواز تعجيل الزكاة قبل تمام حوله الذي هو فيه، وأجاز بعضهم تعجيلها لعامين، وأجاز آخرون أكثر من عامين.وخلصت الدار إلي القول في نهاية الفتوي إلي القول :يجوز تعجيل الزكاة إن كان في تعجيلها مصلحةٌ للفقير أو لغيره ممن هو أهلٌ لأخذها، وتعجيلها لعام أو لأكثر يختلف باختلاف هذه المصلحة، وإلا فالأولى إخراجُها في وقتها ليجد المستحق حاجته من المال في كل وقت؛ فإنه إذا عجَّل الجميعُ إخراجَها في عامٍ، فإذا جاء الآخر عُدمت أموال الزكاة، وهذا يُخالف مقصود الشارع منها.