ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية يقول السائل فيه: "ما حكم بيع الأسنان المخلوعة لطلاب كلية الطب بقصد التَّعلُّم؟".
ويجيب الدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية بأنه لا يجوز خَلْع الأسنان بهدف بيعها والمعاوضة عليها، وكذا لا يجوز للآدمي استئصال جزء من جسده للمعاوضة عليه بالبيع والشراء.
أمَّا الأسنان المخلوعة والمنفصلة: فيجوز بيعها لطلاب كليات الطب والأطباء للحاجة العامة، ما دام ذلك مسموحًا به طِبًّا وقانونًا، مع توافر كافَّة الشروط للبيع الصحيح.
فقد كرَّم الله الإنسان ورفع شأنه وعظَّم حرمته؛ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70]، واعتبر جسده أمانةً؛ فلا يجوز التصرف فيه بما يسوؤه أو يرديه، ولو كان هذا التصرف من صاحب الجسد نفسه، ولذا حَرَّم اللهُ تعالى إزهاقَ الروح وإتلافَ البدن إلَّا بالحق؛ فقال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الأنعام: 151]، وقال تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا﴾ [البقرة: 195].
اقرأ أيضا:
ما حدود عورة المرأة أمام النساء؟ومن مقتضيات هذا التكريم: حرمة التعرُّض لجسد الآدمي، أو أجزائه بالبيع والشراء؛ إذ في إيراد العقد على شيءٍ من ذلك بالبيع والشراء امتهانٌ وإذلالٌ له.
والكراهة المنقولة هنا عن الإمام مالكٍ حَمَلَهَا بعضُ المالكية على التنزيه، وظاهر كلام الإمام ابن عبد البر يفيد حَمْلَهَا على التحريم. ينظر: "الكافي" لابن عبد البر (ص: 328، ط. دار الكتب العلمية-بيروت).
كما أنَّ مِن شروط البيع المتَّفق عليها كون المبيع ملكًا للبائع، أو مأذونًا له بالتَّصرُّف فيه؛ -ينظر: "بدائع الصنائع" للإمام للكاساني (5/ 147)، و"المجموع" للإمام النووي (9/ 259، ط. دار الفكر)، و"المغني" للعلامة ابن قدامة (4/ 155، ط. مكتبة القاهرة)- فقد روى الإمامان أحمد في "المسند"، وأبو داود في "السنن"، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهما، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ». أي: ما لا تملك.
وأسنان الإنسان وأجزاؤه ليست ملكه، كما أنَّها ليست محلًّا للتعامل بيعًا وشراءً ما دامت متَّصلةًّ به؛ فلا يُؤذَن له في خلعها والمعاوضة عليها، فإن باعها كان بيعه داخلًا في "بيع ما لا يملك" الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ويُفْهَم من نصوص الفقهاء السابقة أنَّه لا يجوز إجراء البيع والشراء على الآدميِّ الحُرِّ، أو أجزائه المتَّصلة به، كما لا يجوز أيضًا ذلك على أجزائه المنفصلة منه عديمة المنفعة؛ لأنَّ ذلك هو المقصود من تكريمه وحُرْمة جسده، وليس المقصود مطلق النهي، وإلَّا لَمَا جوَّزوا بيع العبد والأَمَة بالاتفاق.
أمَّا بالنسبة للأسنان المخلوعة والمنفصلة عن جسد الإنسان التي يتدرَّب عليها طلَّاب كليات الطب فلا يتعارض استعمالها مع تكريم الإنسان وصيانة جسده وأجزائه، ولا يمكن إغفال المصلحة العامة التي تعود على المجتمع من حصول ذلك؛ إذ العبرة من عدم جواز بيع وشراء أجزاء الآدميِّ اتِّصالها به؛ إذ لو جاز ذلك لأصبح مُمْتَهنًا، وهو مُكرَّم كما سبق تقريره.
كما أنَّ العبرة من عدم جواز بيع وشراء أجزائه المنفصلة عنه كونها غير ذي نَفْعٍ، أمَّا الأجزاء المنفصلة ذات النفع العام فجائز بيعها للحاجة؛ وذلك قياسًا على ما جاء في مذهب الشَّافعية، والأصح من مذهب الحنابلة من القول بجواز بيع لبن الآدمية، مع كونه جزءًا منها.
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فلا يجوز خَلْع الأسنان بهدف بيعها والمعاوضة عليها، وكذا لا يجوز للآدمي استئصال جزء من جسده للمعاوضة عليه بالبيع والشراء.
أمَّا الأسنان المخلوعة والمنفصلة: فيجوز بيعها لطلاب كليات الطب والأطباء للحاجة العامة، ما دام ذلك مسموحًا به طِبًّا وقانونًا، مع توافر كافَّة الشروط للبيع الصحيح.