خلق الله سبحانه وتعالى السماوات والأرض بالصورة التي نراها اليوم، ولكن سيأتي يوم تبدل السماء وتبدل الأرض، فالكون كله سيتغير تغيرًا كاملًا وهو يستقبل هذا الحدث الأعظم في الوجود وهو يوم القيامة ..يوم حساب الخلائق ووقوفها بين يدي خالقها عز وجل.
السماء التي خلقها الله سبحانه وتعالى فوقنا ستكون أيضا فوقنا يوم القيامة، لكن ستتبدل وتتغير الصفات وتبقى الذات، وكذلك الأرض، قال سبحانه: ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [إبراهيم: 48].
فالله جل جلاله ﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [لقمان: 10، 11].
اليوم؛ السماءُ سقفٌ محفوظ بحفظ الله سبحانه وتعالى، ﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء: 32].
السماء اليوم ممسوكة بقدرته سبحانه: ﴿ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحج: 65].
من السماء ينزل الغيث، وتأتي البركات ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ ﴾، وهي حبيبات المطر ﴿ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ﴾ [النور: 42- 43].
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا ﴾ خوفاً من الصواعق التي أسبابها البرق، وطمعاً فيما فيه من الخير، ﴿ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الروم: 24].
هذا من السماء، وهذا منذ الأزل، وإلى أن يأتي يوم القيامة.
يقول الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد: أما يوم القيامة فهو ﴿ يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ ﴾ [المعارج: 8]، تكون السماء كالزيت المغلي من شدة الحرارة، ﴿ يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا ﴾ [الطور: 9]، ﴿ إِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ ﴾ [التكوير: 11]، ﴿ وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ ﴾ [المرسلات: 9] يحدث فيها التشقق، ويحدث فيها الانفتاح والانفراج.
ويوم القيامة، ستطوى هذه السماوات التي ترونها وتلفّ، ﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ [الأنبياء: 104].
في ذلك اليوم ستنفطر السماء وتتشقق، ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ ﴾ [الانفطار: 1]، ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ﴾ [الانشقاق: 1]، ويصير لونها أحمر كلون الورد، ﴿ فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ ﴾ [الرحمن: 37]، ﴿ وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 16]، متصدعة، ﴿ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا ﴾ [الفرقان: 25]. ﴿ وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا ﴾ [النبأ: 19].
أمَّا الأرض! وما أدراك ما الأرض؟ إنَّ الأرضَ اليوم وما فيها؛ من سهول ووديان، وبحار وأنهار، وغابات وأشجار، وهضاب وجبال، وصخور ورمال، وحدائق ذات بهجة.
الأرض اليوم وما عليها؛ من دور وقصور، ومبان ضخمة، ومصانع وناطحاتِ سحاب، ستُبدَّل يوم القيامة، ولن يبقى الحال هو الحال، ولن يبقى على ما هو، بل ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 26، 27]، و﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 88].
أمّا ما في الأرض؛ من الجبال الراسيات فتدك دكًّا دكًّا، وتنسَفُ وتقتلع من جذورها، وتزول من أماكنها، وتسير سيراً، وتمر مرّ السحاب، ﴿ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ﴾ [الحاقة: 14]، ﴿ وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ ﴾ [المرسلات: 10]، ﴿ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ﴾ [القارعة: 5]، كالصوف المنبوش ليست صلبة وليست قوية، ﴿ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 47]، ﴿ وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا ﴾ [الطور: 10]، بعد أن تقتلعَ تسير وتمرُّ مرَّ السحاب، ﴿ إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً ﴾، أي: غبارا ﴿ مُنْبَثًّا ﴾ [الواقعة: 4- 6]، ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا ﴾ [المزمل: 14].
وأما البحار فتتفجَّر ذراتُها، وبالنار تسعّر محيطاتها، والبحار والمحيطات ستتحول إلى نيران يوم القيامة، ﴿ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ ﴾ [الانفطار: 3]، ﴿ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ﴾ [التكوير: 6].
ويواصل الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد حديثه في "الألوكة" فيقول: أما عموم الأرض يوم القيامة؛ فيمدّها الله سبحانه وتعالى مدّ البساط، مدَّ الأديم، يرى أولُهم آخرَهم، ليست كما هي اليوم مكوَّرة؛ لا ترى إلا بعد مسافة قصيرة.
أما يوم القيامة؛ فأولها وآخرها ستمدُّ، قال سبحانه: ﴿ وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ* وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ* وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ ﴾ [الانشقاق: 3- 5]، استمعت لأمر ربها بأذنها وأطاعته، سبحانه وتعالى، فإذا كانت الأرض اليوم ليست كما هي قبل ألف عام، أو حتى مائتي عام، فكيف ستكون يوم القيامة؟ نسأل الله السلامة.
وقال الله جل جلاله: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا ﴾، أَيْ: لَا ترى وَادِياً وَلَا ترى جَبَلا؛ ﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا * يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ ﴾ لا تنفع المكانة، ولا تنفع الواسطة، ولا تنفع الأموال ولا الغنى ولا الجاه، لا ينفع أي أمر؛ إلا من أتى الله بقلب سليم، ﴿ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا * وَعَنَتِ الْوُجُوهُ ﴾ وخضعت وذلت وخشعت ﴿ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا ﴾ [طه: 105- 112].
وإذا الجنين بأمِّه متعلِّقٌ *** خوفَ الحسابِ وقلبُهُ مذعورُ
هذا بلا ذنبٍ يخافُ لهولِه *** كيفَ المقيمُ على الذنوبِ دهورُ؟
كما قال الله في هذه الآيات: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾ الناس ما قدروا الله حق قدره، ﴿ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ* وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ ﴾ أرض الآخرة، أرض يوم القيامة أشرقت وأضاءت ﴿ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ* وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا ﴾ جماعات جماعات ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ * وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ ﴾، أي: أرض الجنة ﴿ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الزمر: 67- 75].
والمؤمنون يوم القيامة لا يحزنهم الفزع الأكبر، وهم من فزع يومئذ آمنون، ولا يطول على المؤمنين، وكلُّهم يدخلون الجنة إن شاء الله، والبقيَّةُ يحاسبون في هذا اليوم، ولنستمع إلى ما رواه سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ["يُحْشَرُ النَّاسُ"] -أي المؤمنون- ["يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ"] [م] [2790] [النَّقِيّ]: خُبْز الدَّقِيق الْحُوَّارَي، وَهُوَ النَّظِيف الْأَبْيَض [فتح]، وهو الذي لا غشَّ فيه، ولا يوجد فيه ما يشوبه ["لَيْسَ فِيهَا مَعْلَمٌ لِأَحَدٍ"] [خ] [6521] الأرض يوم القيامة، كالرغيف كالقرصة، قال ابن حجر رحمه الله: -يُرِيدُ أَنَّهَا مُسْتَوِيَةٌ، -ليست مكورة- لَيْسَ فِيهَا عَلَامَةُ سُكْنَى، وَلَا بِنَاءٌ، وَلَا أَثَرٌ، وَلَا شَيْءٌ مِنْ الْعَلَامَات الَّتِي يُهْتَدَى بِهَا فِي الطَّرَقَات؛ كَالْجَبَلِ -مثلاً- وَالصَّخْرَة الْبَارِزَة [فتح الباري]، كل هذا غير موجود، ليس فيها معلم لأحد.
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ["تَكُونُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً"] ليست قطعاً وكِسراً وأرغفة ["يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ"]، أَيْ: يُمِيلُهَا -ويقلبها سبحانه وتعالى- ["بِيَدِهِ، كَمَا يَكْفَأُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ؛ نُزُلًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ"]، فَأَتَى رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ -وهو لم يسمع هذا ما دار من الحديث،- فَقَالَ: [بَارَكَ الرَّحْمَنُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ! أَلَا أُخْبِرُكَ بِنُزُلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟] -ويريد أن يخبرَهم بما عنده من علم من كتابهم- قَالَ: ["بَلَى"]، قَالَ: [تَكُونُ الْأَرْضُ خُبْزَةً وَاحِدَةً]، -كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم-، فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْنَا ثُمَّ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَالَ -اليهودي-: [أَلَا أُخْبِرُكَ بِإِدَامِهِمْ؟] -الخبزة تحتاج لإدام- قَالَ: [إِدَامُهُمْ بَالَامٌ وَنُونٌ]، قَالُوا: [وَمَا هَذَا؟] -الصحابة لم يعرفوها؛ لأنها كلمة ليست بعربية، قال: [ثَوْرٌ وَنُونٌ]، -أي: ثور وحوت من حيتان البحر، خلقه الله كيف شاء سبحانه- [يَأكُلُ مِنْ زَائِدَةِ كَبِدِهِمَا سَبْعُونَ أَلْفًا] .
السبعون ألفاً هم والله -تعالى أعلم- الذين يدخلون الجنة قبل الناس، يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون، هؤلاء يأكلون من زائدة كبد الحوت، وهذه الرواية أيضاً من زائدة كبد الثور، بالام ونون، هذا الذي يكرم الله به أهل الجنة قبل دخولهم الجنة، أمّا إذا دخلوها فلهم شأن آخر، وهذا النُّزُل ما يقدم للضيف، فإذا قدمنا على الله، فنحنُ ضيوفُ على الله، فأعِدُّوا العدة، فإننا سنرحل عن هذه الدنيا، التي هي ليست بدار مقرٍّ؛ بل هي دارُ ممرٍّ، فلنستعد لهذا اليوم، الذي هو مصير كلِّ إنسان، وكلِّ حيوان.
وكلُّ من عليها يبقى لأجلٍ معين، يطول أو يقصر، أياماً أو سنين، لكن في النهاية سنرحل عن هذه الدنيا بأكملها، وسنقابل الله سبحانه وتعالى، ليس بيننا وبينه ترجمان، وسيتكلم الله عزّ وجلّ مع كلِّ عبدٍ من عباده، ويقول: يا عبدي ألم تفعل يوم كذا وكذا كذا وكذا؟ فماذا نحن قائلون لله يوم القيامة؟ ليس معنا والدٌ ولا ولد، ولا عشيرة ولا قبيلة، لن يكون معنا إلا ما قدمنا من أعمال.
ولكنّ رحمةَ الله فوق كلّ شيء، فنحن عبادٌ لدينا ذنوب وخطايا، وهو ربٌّ رحيم غفورٌ سبحانه وتعالى، فنسأله سبحانه وتعالى أن يصليَ على نبيه، محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، كما قال وأمر ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
اقرأ أيضا:
الكسل داء يبدد الأعمار والطاقات.. انظر كيف عالجه الإسلاماقرأ أيضا:
دف قلبك بهذه الطريقة تسلم لك جوارحك