المدينة المنورة، بمجرد أن يذكر اسمها، إلا وتشعر براحة نفسية عميقة، تجعلك وكأنك في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسلم على روحه الطاهرة، أو كأنك تصلي في روضته الشريفة، ولمّ لا والمدينة المنورة هي أول بستان يستريح فيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعد عناء شديد في مكة المكرمة.

إذ يروى أنه لما قدم صلى الله عليه وسلم، المدينة استظل ببستان المستظل أو بئر عذق، فكأن المدينة كانت هي الراحة التي انتظرها طويلًا.

ويحكي بستان المستظل أو مزرعة بئر عذق -إلى الشرق من مسجد قباء بالمدينة المنورة-، مشهدًا تاريخيًا فريدًا من مشاهد السيرة النبوية العطرة، وقصة من قصص الحب والوفاء، فقد شهد استقبال الأنصار للنبي الخاتم صلى الله عليه وسلم عندما جاء مهاجرًا من مكة المكرمة، وكان صاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه يظلله بردائه، وإلى ذلك تعود تسمية البستان بهذا الاسم.

الانتظار الطويل

أما عن أهمية هذا المكان (بستان المستظل أو مزرعة بئر عذق)، فتذكر كتب التاريخ أن الأنصار كانوا يخرجون أول النهار في كل يوم انتظارًا للمقدم الشريف فما يردهم إلا حر الشمس، وذات يوم بعد أن رجعوا نظر رجل من اليهود وهو على أطم من الآطام فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحبه، فنادى بأعلى صوته بالأنصار: (صاحبكم الذي تنتظرونه)، فتلقوا النبي الخاتم بظهر الحرة، فأناخ إلى عذق.

وفي رواية أخرى لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على كلثوم بن الهدم هو وأبو بكر وعامر بن فهيرة قال: يا نجيح، لمولى له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والتفت إلى أبي بكر: أنجحت، أو أنجحنا، فقال: أطعمنا رطبًا، قال: فأتوا بقنو من أم جرذان فيه رطب منصف وفيه زهو، فقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ما هذا ؟ قال: عذق أم جرذان، اللهم بارك في أم جرذان.

اقرأ أيضا:

"واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة".. هل سمعت هذا المعنى من قبل؟

بئر عذق

أيضًا يروى، أنه عندما قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة المنورة مهاجرًا خرج أهلها من الأنصار من قبيلتي الأوس والخزرج وغيرهم لاستقبالهم بالبشر والسرور والإنشاد، واستقبلوه حينها عند بئر يسمى بئر "عذق"، ويقع بئر "عذق" غرب مسجد قباء تميل نحو الجنوب نوعا ما ومكانها كانت تقع منازل بني عمرو بن عوف الأوسيين، ومن حينها أصبحت هذه البئر مباركة، ومن الآبار النبوية الشريفة في المدينة المنورة التي وثقها أهل المدينة والمؤرخون ومعروفة حتى يومنا هذا.


وتروي كتب السيرة النبوية المطهرة والتاريخ ومنه كتاب "وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى" للإمام السمهودي أن أهل المدينة المنورة الأنصار لما علموا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج مهاجرًا إلى المدينة كان يخرجون كل يوم إلى منطقة تسمى الحرة منذ بداية النهاردة ويظلون كذلك حتى تتعبهم الشمس فيعودون إلى بيوتهم.


وفي يوم وصول النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وكانوا قد عادوا إلى بيوتهم بعد أن خرجوا، قابلهم رجل من اليهود، فبصر برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وأصحابه مبيضين فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: (صاحبكم الذي تنتظرونه)، فوقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو وسيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ليستريحا في بستان يعرف ببستان المستظل، وذلك بجانب بئر "عذق" الموجود داخل البستان، حيث رفع سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه رداءه ليظل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليظله من أشعة الشمس الشديدة، ولكي يعرفه الأنصار فيسلموا عليه ويصافحوه، وجاءوه بالرطب والماء من أم جرذان، فقال صلّى الله عليه وآله وسلم: ما هذا؟ قال: عذق أم جرذان، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اللهم بارك في أم جرذان، فدعا هناك بالبركة.