من الأخلاق التي جاء بها الإسلام خلق الإيثار.. وهو من أروع الأخلاق ووجود هذا الخلق كافٍ لإصلاح الكثير من السلوكيات الخاطئة في المجتمع وضبط أخلاقه.
معنى الإيثار:
وللإيثار تعريفات كثيرة كلها تدور حول تفضيلك الآخر وتقديمه عليك رغبة في الأجر، ومن هذا أن الإيثار معناه: "تقديم مصلحة الغير على النّفس لكسب الحظوظ الدينيَّة لا الدُّنيويَّة، فإذا كان خلف الإيثار منفعةٌ أو مصلحةٌ دنيويَّة فلا يعدُّ بذلك إيثاراً، وعُرِّف أيضًا بأنَّه تقديم حظ الغير على حظ النَّفس، دون منفعة أو طلب ما يعوِّضه أو غير ذلك".
وهو ما يعني أن تجعل الآخر أمام عينك في عطاءات بل تقدمه على نفسك وتقدم مصلحته عليك ولا تتجاهله كل هذا تفعله ابتغاء رضوان الله تعالى.
الإيثار في القرآن:
وقد جاء الإيثار في القرآن في وصف هؤلاء النفر الكرام الذين قدموا مصلحة إخوانهم المهاجرين على أنفسهم، وهذا من أجمل صور الإيثار ما فعله الأنصار مع المهاجرين وما حكاه القرآن عنهم، قال تعالى:{وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: ٩].
إيثار الرسول:
ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم اجمل صور الإيثار وحبه فيما عند الله ورغبته في الثواب وعدم اكتراثه بالدنيا ففي حديث أنس رضي الله عنه قال: ما سئل رسول الله ﷺ على الإسلام شيئاً إلا أعطاه، ولقد جاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلِموا فإن محمداً يعطي عمن لا يخشى الفقر وإن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يلبث إلا يسيرا حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها.
من أروع صور الإيثار:
ومن أروع صور الإيثار التي خلدتها السيرة العطرة ما كان من ام المؤمنين عائشة رضوان الله تعالى عليها فلقد آثرت على نفسها بطرقة جميلة حيث آثرت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بدفنه عند رسول الله في حجرتها وأجابوا عنه بأن الميت ينقطع عمله بموته، فلا يتصور في حقه الإيثار بالقرب بعد الموت، إذ لا تقرب في حق الميت وإنما هذا إيثار بمسكن شريف فاضل لمن هو أولى به منها فالإيثار به قربة إلى الله عز وجل للمؤثر.
كيف أتخلق بالإيثار؟
والتخلق بخلق الإيثار يحتاج لمجاهدة وصبر كما يحتاج لمطالعة سيرة الصالحين وسؤال رب الالمين العون والمدد .
كما يلزم له ثلاثة أشياء: تعظيم الحقوق، ومقت الشح، والرغبة في مكارم الأخلاق.
وهذه الأخلاق تمهد له وتفسح القلب والجوارح لتقبله واعتباره.. فتعظيم الحقوق ومقت البخل والشح يقلل التعلق بالدنيا الرغبة فيما عند الله تعالى بتحسين الخلق وسيلة تسهل أن تؤثر غيرك عليك، ولا تجد في هذا مشقة.
الإيثار عند الصحابة:
ومن صور الإيثار عند الصحابة ما رواه أَبو هُرَيْرَةَ -رضي الله عَنْهُ- أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ، فَقُلْنَ مَا مَعَنَا إِلا الْمَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ يَضُمُّ أَوْ يُضِيفُ هَذَا» فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَا، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: أَكْرِمِى ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِى، فَقَالَ هَيِّئِى طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِى سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِى صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً، فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ فَجَعَلا يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلانِ فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ «ضَحِكَ الله اللَّيْلَةَ أَوْ عَجِبَ مِنْ فَعَالِكُمَا» فَأَنْزَلَ الله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}.