حين يحيط بالمؤمن النَّوازِل، ويشتدُّ عليه البَلاء، وتُصارِعه الشدائد - يَأتِيه ذكرُ الله تعالى- فيُعلمه أنَّ الله على كل شيء قدير، وأنَّه بكلِّ شيء بصير، وأنَّه غالبٌ على أمره، وأنَّه لن يُفلِت أحد من يده؛ لذلك يَرجِع إلى ربِّه ذاكِرًا فيَعلُو شأنه، ويطمئن قلبه، ويرتاح فؤاده، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].
وعندما يأتي الشيطان إلى الإنسان فيشده إلى المعصية، يأخُذه إلى الذنب، يُوجِّهه نحو غضَب الله - والعياذ بالله - يأتيه ذكرُ الله فيُعلمه أنَّ هناك ربًّا غافر الذنب وقابل التَّوب شديد العقاب؛ فيَنهَض من كبوته، ويُقال من عَثرَته، ويَعُود إلى ربِّه، ويَستَغفِر من ذنبه، ويَستَأنِف الرحلة ، قال تعالى" وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135].
وعندما يريد الإنسان أن ينفق في سبيل الله، خاصة في هذه الأوقات الصعبة مع ضيق الحال، يأتي الشيطان فيعصب عينيه ويُقيِّد يدَيْه، ويدفعه إلى الشُّحِّ والإمساك، ويدعوه إلى البخل وعدم الإنفاق، يقول تعالى﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [المنافقون: 9 - 10].
اظهار أخبار متعلقة
لذلك جعل الله سبحانه وتعالى ذكره عبادة تحصن العبد من كل الآثام والشرور والمصائب، وتبعد عنه الشيطان، وتجنبه البخل والشح، فذكرُ الله عبادة عظيمة أنت تستَطِيعها على أيِّ لونٍ كانت الحياة؛ في يُسرِك أو عُسرِك، في غناك وفقرك، في قوتك وصعفك، مُقيمًا أو مُسافرًا، مريضًا أو معافى، حاكم أو محكوم.
جاء في الأثر أن رجلاً قُطِعت يَداه، وبُتِرت ساقاه، وعَمِيت عَيْناه، فسمعه رجلٌ آخَر يقول: الحمد لله الذي عافاني ممَّا ابتُلِي به كثيرٌ من الناس، فقال له الرجل الآخَر المعافى: من أيِّ شيءٍ عافاك الله وأنت هكذا بهذا الحال؟! قال الرجل المؤمن الصابر المُحتَسِب: الحمد لله الذي جعَل لي لسانًا ذاكرًا، وقلبًا شاكرًا، وبدنًا على البَلاء صابرًا!
والمسلمون محاصرون بالشر من جميع الجِهات، بعدما تكالَبتْ عليهم الأُمَم كما تتَكالَب الأكَلَة إلى قَصعَتها، ليس من شيءٍ إلاَّ لبُعدِهم عن ذكر الله، وحبهم للدنيا وكراهيتها للموت؛ لذلك يجب أنْ تستَفِيدوا من صلاتهم وصيامهم، وزكاتهم ، فيجب أن نداوم على ذكر الله.
فانتبه أيها الإنسان! إن الذي يخاطبك ويأمرك بذكره ويعدك إن ذكرته أن يذكرك إنما هو ربك الذي أوجدك من العدم وأسبغ عليك النعم ظاهرة وباطنة، ودرأ عنك من البلايا ما علمت وما لم تعلم،فكيف تغفل عن ذكره وهو يناديك(من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه).
لذلك المسلم يجبُ أنْ يكون دائمَ الذكر لله - تعالى - حتى يسلم في الحياة ويستظلَّ يومَ القيامة بظلِّ الله (سبعةٌ يُظلُّهم الله - عزَّ وجلَّ - يوم القيامة يوم لا ظلَّ إلاَّ ظلُّه: إمامٌ عادل، وشابٌّ نشَأ في عِبادة الله - عزَّ وجلَّ - ورجلٌ ذكَر الله في خلاء ففاضَتْ عَيْناه...).
فهنيئا لمَن أدام ذكر الله فأحيا الله به قلوبًا دبَّ فيها الموات، وجدَّدالله به حياته، وزكَّى الله به نفسه، وقوَّى الله به عزمًا أصابه الفتور الذي أقعده عن المكرمات،وأحيا الله به الأمل في نفوس كاد اليأس أن يقتلها، وأسكب الله به الطمأنينة في قلوب العباد.
ومن أفضل ما تدعو به لتكون ذاكرًا لله عز وجل:
اللهم اجعَلنا لك ذكَّارِين شكَّارين، مُخبِتين مُنِيبين، اللهم فقِّهنا في ديننا، وفهِّمنا شِرعَة ربِّنا، اللهم ارزُقنا الإخلاصَ في القول والعمَل، ولا تجعَل الدنيا أكبَر همِّنا ولا مَبلَغ علمِنا.
اللهم صلِّ اللهمَّ على سيِّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلِّم.