القرآن الكريم تخطى كل ألوان البلاغة في اللغة، وقد شهد بذلك غير المسلمين، قبل المسلمين، وقد نزل القرآن الكريم على طول أمده، وكثرة سوره، متناسبًا في حُسن بيانه وبلاغته كما قال تعالى: «اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا» (الزمر: 23)، ثم قال: «وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا» (النساء: 82).
ومن بين الأمور التي يظهر فيها حسن بيان وبلاغة القرآن الكريم، أنه ذكر ثلاثة ألفاظ تدل على النظر ([ تراهم، ينظرون، يبصرون ) في جزء من آية بروعة وصِقل ودون خلل أو تكلف، قال الله تعالى: «وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لَا يَسْمَعُواْ ۖ وَتَرَىٰهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ» (الأعراف 198)، وهي صور لا حياة فيها، فتراهم ينظرون إليك، وهم لا يبصرون حقيقةً.
العمى
وترى المولى عز وجل استخدم في أكثر من موضع بالقرآن الكريم، معاني (العمى) لتدل على الكفر بالله، قال تعالى: «وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ ۖ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ ۙ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ۖ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ» (محمد 20)، بل أنه سبحانه وتعالى في آية أخرى وصف الكافرين بالعمى صراحةً، فقال عز وجل: «صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ» (البقرة 18)، وما ذلك إلا لأنه سبحانه وتعالى خلق البصر، ومنحه فضل عظيم في توجيه الإنسان.
أما الإنسان الأعمى فلا موجه له، وتراه يعيش في ظلام حتى يتوفاه الموت، قال تعالى: «وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ ۖ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ» (النمل 81)، وكأن الله يريد أن يقول لنبيه الأكرم صلى الله عليه وسلم: يا محمد مهما دعوت المشركين عن التراجع عن عبادة الأصنام التي يعبدونها من دون الله، والاستقامة لله الواحد الجبار، لن يسمعوا دعاءك، وتراهم يقابلونك بأعين مصورة، وهي جماد لا تبصر، فقد كانوا يصنعون تماثيل على هيئة بني آدم أو الحيوانات، ولها أيد وأرجل وأعين، لكنها جامدة، لا حياة فيها ولا حركة.
صم بكم عمي
وترى القرآن يتضمن العديد من الآيات التي تصف الكافرين بأقسى الصفات، ذلك بأنهم كفروا بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، واتبعوا شهواتهم، قال تعالى: « وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ۚ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ» ﴿١٧١ البقرة﴾،.
وقال أيضًا سبحانه وتعالى: « وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِّنْهُمْ ۚ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ» ﴿٧١ المائدة﴾، وترى الله عز وجل يؤكد على عدم إلزامه هؤلاء بالتوبة والعودة إليه سبحانه، طالما أنهم استحبوا العمى على البصيرة والإيمان.
قال تعالى متحدًا عن قوم ثمود: «وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ» (فصلت 17)، ويكأن الكافرين يحبون ويختارون بمحض إرادتهم العيش في العمى عن التبصر والرؤية للحق، لذلك قال تعالى في آية أخرى: «قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ» ﴿٢٨ هود﴾.