دار الإفتاء المصرية ردت علي هذا التساؤل بالقول :الاحتفال بالمولد النبوي الشريف تعظيمٌ واحتفاءٌ وفرح بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وتعظيمُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم والاحتفاءُ والفرح به أمرٌ مقطوع بمشروعيته؛ لأنَّه عنوان محبته صلى الله عليه وآله وسلم التي هي ركن الإيمان.
وأشارت الدار في الفتوي المنشورة علي بوابتها الإليكترونية : من جملة الفرح ما يقوم به بعضُ الناس من إطعام الطعام وعمل الولائم وذبح الذبائح، وهذا ما نص علماء الأمة على مشروعيته؛ نُقل عن الحافظ السخاوي في "الأجوبة المرضية" (1/ 1116، ط. دار الراية) أنه قال: [ما زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن العظام يحتفلون في شهر مولده صلى الله عليه وآله وسلم وشرَّف وكرَّم يعملون الولائم البديعة، المشتملة على الأمور البهجة الرفيعة، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويظهرون السرور ويزيدون في المبرّات، بل يعتنون بقراءة مولده الكريم، وتظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم، بحيث كان ممَّا جُرب]
ومضت الدار للقول :وهذا من قبيل الطاعات التي يفعلها المسلمون في هذه المناسبة، فقد نص العلماء على مشروعية الصدقة فرحًا واحتفالًا بمولده صلى الله عليه وآله وسلم؛ قال الإمام الحافظ أبو شامة المقدسي في كتابه "الباعث على إنكار البدع والحوادث" (1/ 23، ط. دار الهدى) فقال: [فالبدع الحسنة متفق على جواز فعلها والاستحباب لها ورجاء الثواب لمن حسنت نيته فيها..
وعادت فتوي الدار للقول :ومِن أحسن ما ابتُدِع في زماننا من هذا القبيل: ما كان يُفعَل بمدينة إربل -جبرها الله تعالى- كلَّ عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات والمعروف، وإظهار الزينة والسرور؛ فإن ذلك -مع ما فيه من الإحسان إلى الفقراء- مشعرٌ بمحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه وجلالته في قلب فاعله، وشكرًا لله تعالى على ما منَّ به مِن إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين]
وخلصت الدار في نهاية الفتوي للقول :ولا شك أنَّ هذا مما يَفرحُ به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ نقل الإمام المؤرخ الصالحي في كتابه "سُبُلُ الهُدى والرشاد في سيرة خيرِ العِباد" (1/ 363، ط. دار الكتب العلمية) عن الإمام الشيخ أبي موسى الزّرهونيّ -وكان من الصالحين-: [أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في منامه، فشكى إليه مَن يقول ببدعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن فرِح بنا فَرِحنا به»] اهـ..
من ناحية أخري ردت الدار علي تساؤل نصه :إذا مات الإنسان دعا أهلُه العلماءَ والعامة بعد أيام إلى بيته، فيجتمعون ويصلون ويسلمون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويدعون للميت ولسائر المسلمين الأحياء والأموات، وفي هذه الحفلة يقدم أهل الميت طعامًا للحاضرين في الحفلة للاستجابة للدعوة وإدخالهم السرور على أهل الميت. فهل في هذه الحفلة أي محظور شرعًا؟ وهل يجوز للناس أن يأكلوا من هذا الطعام؟
وقالت الدار في معرض ردها علي هذا التساؤل :لا مانع شرعًا من إقامة مثل هذه الحفلة والأكل من طعامها؛ لما ورد في الحديث: "أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج في جنازةٍ، فلَمَّا رجع استقبله داعي امرأته -أي الميت- فجاء، وَجِيء بالطعام، فوضعَ يدَهُ، ثم وضعَ القوم فأكَلُوا، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلوك اللقمةَ في فِيهِ" رواه أحمد وأبو داود، ولكن يشترط أن لا يكون في ذلك تجديد للأحزان، وأن لا يكون من مال القُصَّر.
واضافت :لا مانعَ من مثلِ هذا الاجتماعِ شرعًا، بشرط أن لا يكونَ في ذلك تجديدٌ للأحزانِ، وأن لا يكون ذلك من مالِ القُصَّر، فإن كان ذلك مما يَشُقُّ على أهلِ الميتِ أو يُجَدِّدَ أحزانهم فهو مكروهٌ، وإن كان من مالِ القُصَّر فهو حرامٌ.
واستدركت الدار قائلة :مع أن جماعةً من متأخري الحنفيةِ يذهبون إلى القولِ بالكراهةِ، إلا أنَّ العلامةَ الطحطاوي الحنفيَّ حقَّق أنَّ ذلك جائزٌ ولا شيءَ فيه، ونقل ذلك عن مُحَقِّقي الحنفية، فيقول في حاشيته على "مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح" (339- 340): [قوله: وتُكرَه الضيافةُ من أهل الميت... إلخ، قال في "البزازية": يُكرَه اتخاذُ الطعام في اليوم الأول والثالث، وبعد الأسبوع، ونَقْلُ الطعامِ إلى المقبرةِ في المواسم، واتخاذُ الدعوةِ بقراءةِ القرآن، وجمعُ الصُّلَحاء والقُرَّاء للختم أو لقراءة سورة الأنعام أو الإخلاص. اهـ.
وقال البرهان الحلبي: ولا يخلو عن نظرٍ؛ لأنَّه لا دليلَ على الكراهةِ إلا حديث جرير المتقدم، وهو ما رواه الإمام أحمد وابن ماجه بإسناد صحيح عن جرير بن عبد الله: كنا نُعِدُّ الاجتماعَ إلى أهلِ الميِّتِ وصنعهم الطعام من النياحة. اهـ. يعني وهو فِعْلُ الجاهليةِ، وإنَّما يدلُّ على كراهةِ ذلك عند الموتِ فقط،
اقرأ أيضا:
انشغالي بالعمل يجعلني غير حريص بالسنن والمستحبات..هل علي إثم؟واضافت فتوي الدار :على أنَّه قد عارَضَه ما رواه الإمام أحمد أيضًا بسندٍ صحيحٍ وأبو داود عن عاصم بن كليب عن أبيه عن رجلٍ من الأنصارِ قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جنازةٍ، فلَمَّا رجع استقبله داعي امرأته فجاء، وَجِيء بالطعام، فوضعَ يدَهُ ووضعَ القوم فأكَلُوا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلوك اللقمةَ في فِيهِ". الحديث، فهذا يدل على إِبَاحَةِ صُنع أهلِ الميت الطعام والدعوة إليه،
وتابعت :بل ذكر في "البزازية" أيضًا من كتاب الاستحسان: وإن اتَّخَذَ طعامًا للفقراءِ كان حسنًا. اهـ. وفي استحسان "الخانية": وإنْ اتخذ وليُّ الميتِ طعامًا للفقراء كان حسنًا، إلا أنْ يكونَ في الورثةِ صغيرٌ فلا يُتَّخَذُ ذلك من التَّرِكة. اهـ. وقد علمت ما ذكره صاحب "الشرعة"] اهـ. يشير إلى ما نقله قبل ذلك (ص 339) عن صاحب "شرعة الإسلام والسنة" من قوله: [والسنَّةُ أن يتصدَّق وليُّ الميت له قبل مُضِيِّ الليلة الأولى بشيء مما تيسر له، فإن لم يجد شيئًا فليصلِّ ركعتين ثم يُهْدِ ثوابَهُمَا له، قال: ويُستحَب أن يتصدَّقَ على الميِّتِ بعد الدَّفن إلى سبعةِ أيامٍ كل يوم بشيء مما تيسر] اهـ.
وخلصت الدار في نهاية الفتوي للقول : لا مانعَ من إقامةِ مثل هذه الحفلة، ولا حرجَ من الأكل من طعامها