يشكو غالبية الناس، -إن لم يكن جميعهم- من أن الله عز وجل منعم أمرًا كانوا يتمنونه، وينسون بقية النعم التي حصلوا عليها مهما كانت، ويتصوروا أن الله حرمهم مما هو أعز من كل شيء، والحقيقة أن الله عز وجل -وحاشاه عن ذلك- لا يمنع أبدًا عن أحد شيئًا، وإنما يعطي لحكمة لا يعلمها إلا هو، ويمنع لحكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه، فعلى الجميع أن يعي ذلك ويرضى بقضاء الله، لأن الرضا من أساس أخلاقيات المسلم.
عن أبي يحيى صهيب بن سنان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له»، وفي ذلك يقول الدكتور مصطفى محمود رحمه الله: «طلبت من الله الكثير ومنعه عني، وكان منعه قمة عطائه، فتعلمت أن أطلب ما أريد وأقبل بما يريد، فدائمًا إرادته تأتي بالخير وإرادتي تسوقني إلى الشر، ولا زال يأخذ بيدي إلى الخير حيث تيقنت أنه هو الله أرحم الراحمين».
الرضا
لو تدبرنا ما قاله الدكتور مصطفى محمود جيدًا، لوجدنا جملة في غاية الغرابة إلا أن جمالها ليس له حدود، حين قال: «فتعلمت أن أطلب ما أريد وأقبل بما يريد»، فهكذا حال المؤمن دائمًا، راضٍ بما قسمه الله له أو عليه، لأنه في كل الأحوال يشكر الله سواء على النعم أو على الضراء، وفي ذلك يقول ابن عطاء الله رحمه الله: «متى فتح لك باب الفهم في المنع، عاد المنع عين العطاء»، فحين يفهم الإنسانُ لِمَ حُرم حتى من الطاعة التي قد تصاحبها معصية يرضخ ويرضى بل ويفرح لأنه يمشي بنور الله.. أليس جل وعلا هو من قال في الحديث القدسي: «فإذا أحببته، كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها»، فكيف يمشي بعدها حتى إلى طاعة قد يرافقها ذنب لا يُرضي الله جل في علاه.
اقرأ أيضا:
أخي العاصي لا تمل وتيأس مهما بلغت ذنوبك وادخل إلى الله من هذا الباب.. التوبةلا تكن كفورًا
يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: «إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا» (الإنسان 3)، فالله يخيرك بين أن تكون شاكرًا لأنعمه فتكتب من الشاكرين، أو على ضرائه فتكتب من الصابرين، أو ولعياذ بالله تفكر بهذا وذاك، وهنا ستقع فيما لا يفيدك في الدنيا، ويضرك جدًا في الآخرة.
عن سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم قال : « إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : يَا ابْنَ آدَمَ ! تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى ، وَأَسُدَّ فَقْرَكَ ، وَإِلاَّ تَفْعَلْ مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلاً ، وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ»، لذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيما لا ينفد وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضاء بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت».