هل يلزم الزوجة إرضاع أولادها وهل تستحق الأجرة على ذلك؟
الجواب:
تبين لجنة الفتوى بإسلام ويب أن العقود المطلقة كعقد النكاح وغيره تحمل على المتعارف عليه بين الناس، ومحل هذا ما لم تكن المرأة ذات ترف، وعرفها ألا تخدم زوجها ولا ترضع ولدها، فلا يلزمها ذلك لأن العرف هنا قد صار كالشرط، ومن القواعد المقررة عند أهل العلم، أن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً.
وتضيف: كذلك يجب عليها أن ترضع ولدها حال قيام الزوجية، لأن هذا الذي جرى به العرف بين الناس، وقد قال الله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ [البقرة:228].
وقد أوضح العلامة القرطبي هذا المعنى عند تفسيره لقول الله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ [ البقرة:233]، فقال رحمه الله: اختلف الناس في الرضاع هل هو حق للأم أو هو حق عليها؟ واللفظ محتمل، لأنه لو أراد التصريح بكونه عليها قال: وعلى والوالدات رضاع أولادهن كما قال الله تعالى: وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن ولكن هو عليها في حال الزوجية، وهو عرف يلزم إذ قد صار كالشرط، إلا أن تكون شريفة ذات ترفه فعرفها ألا ترضع وذلك كالشرط.
وهناك من يرى أن الرضاع لا يجب على الأم إرضاع ولدها إن وجد غيرها، ولها أن تطلب أجرة الرضاعة من مال الصبي أو ممن تلزمه النفقة على الصبي إن لم يكن للصبي مال، قال الله تعالى: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [الطلاق:6].
وهي عامة في حق من هي باقية في حبال الزوجية والمطلقة، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة وهو الراجح، وذهب الحنفية والمالكية إلى أن الأم لا تستحق الأجرة حال الزوجية، قال ابن قدامة في المغني: الرضاع لا يخلو إما أن يكون لحق الولد أو لحق الزوج أولهما لا يجوز أن يكون لحق الزوج، فإنه لا يملك إجبارها على رضاع ولده من غيرها ولا على خدمته فيما يختص به، ولا يجوز أن يكون لحق الولد، فإن ذلك لو كان له، للزمها بعد الفرقة، ولأنه مما يلزم الوالد لولده، فلزم الأب على الخصوص كالنفقة.
والرأي الأول أولى بالقبول لأن ما تعرف عليه الناس كالمشروط شرطا، ومما يؤكد هذا ويدل على أنها لا تستحق أجرة على إرضاع ولدها حال قيام الزوجية، أن الله تعالى لم يجعل لها إلا الكسوة والنفقة بالمعروف، وذلك في قوله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:233]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وإرضاع الطفل واجب على الأم بشرط أن تكون مع الزوج، وهو قول ابن أبي ليلى وغيره من السلف، ولا تستحق أجرة المثل زيادة على نفقتها وكسوتها وهو اختيار القاضي في المجرد، وقول الحنفية لأن الله تعالى يقول: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، فلم يوجب لهن إلا الكسوة والنفقة بالمعروف وهو الواجب بالزوجية.... كما قال في الحامل: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى [الطلاق:6]، فدخلت نفقة الولد في نفقة أمه لأنه يتغذى بها.