أنا وزوجي من بلدين مختلفين، ولا أفهم لغتهم أبدا، وبما إنني أعيش في نفس البيت مع ضرتي، فمثلا إذا كانا في المطبخ يتكلمان بلغتهما، وأنا لا أفهم شيئا منها، واللغة المشتركة بيننا هي الإنجليزية، ولكن زوجي يطلب من زوجته الأخرى أن تتكلم مع أبنائها بلغتهم حتى بحضوري، مع إنني لا أفهم، فهل هذا جائز أم لا، مع الدليل؟
الجواب:
تبين لجنة الفتوى بسؤال وجواب أن من الآداب الإسلامية التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا كان ثلاثة، فلا يتناجى اثنان دون الآخر، ويلحق بالتناجي ما لو تكلم اثنان منهما بلغة لا يفهمها الثالث، فإذا كانوا أكثر من ثلاثة فلا حرج في تناجي الاثنين.
روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً، فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ).
وفي رواية: (فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الْآخَرِ، حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ).
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم"، "والمناجاة: المُسارة، وانتجى القوم، وتناجوا؛ أي سارَّ بعضُهم بعضا.
وفي هذه الأحاديث النهي عن تناجي اثنين بحضرة ثالث، وكذا ثلاثة وأكثر بحضرة واحد، وهو نهي تحريم ، فيحرم على الجماعة المناجاة دون واحد منهم إلا أن يأذن، أما إذا كانوا أربعة فتناجى اثنان دون اثنين فلا بأس بالإجماع . والله أعلم” انتهى.
وقال القرطبي في "المفهم" : "( فإنَّ ذلك يحزنه ) أي : يقع في نفسه ما يحزن لأجله، وذلك : بأن يقدّر في نفسه : أن الحديث عنه بما يكره ، أو أنَّهم لم يروه أهلاً ليشركوه في حديثهم، إلى غير ذلك من أُلْقيات الشيطان، وأحاديث النفس . وحصل ذلك كله من بقائه وحده ، فإذا كان معه غيره ، أُمن ذلك.
وعلى هذا: يستوي في ذلك كل الأعداد، فلا يتناجى أربعة دون واحد، ولا عشرة، ولا ألفٌ مثلاً؛ لوجود ذلك المعنى في حقه، بل وجوده في العدد الكثير أمكن، وأوقع، فيكون بالمنع أولى".
ومحل النهي إذا كان الثالث موجودا معهما من البدء، بخلاف ما لو دخل عليهما وهما يتناجيان.
قال العراقي في "طرح التثريب" : "محل النهي عن تناجي اثنين دون ثالث : إذا كان ذلك الثالث معهما في ابتداء النجوى، فأما إذا انفرد اثنان فتناجيا ، ثم جاء ثالث في أثناء تناجيهما ؛ فليس عليهما قطع التناجي ، بل جاء في حديث منعه من الدخول معهما حتى يستأذنهما ، رواه ابن عبد البر في التمهيد من طريق سعيد بن أبي سعيد المقبري ، قال: جئت ابن عمر وهو يناجي رجلا فجلست إليه ، فدفع في صدري وقال: مالك ! أما سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا تناجى اثنان فلا يدخل معهما غيرهما حتى يستأذنهما . قال ابن عبد البر : هذا معنى غير المعنى الذي قبله ، فلا يجوز للثلاثة أن يتناجى منهم اثنان دون الثالث ، ولا يجوز لأحد أن يدخل على المتناجيين في حال تناجيهما. انتهى.
(قلت) يحتمل أن يكون معنى الحديث نهيه عن الدخول في الموضع الذي هما فيه، ويحتمل وهو أظهر: أن معناه نهيه عن الدخول معهما في التناجي والسر. وأما قعوده في ذلك المكان متباعدا عنهما بحيث لا يسمع سرهما؛ فأي مانع منه؟ وقد يقال: لما افتتحا الإخفاء بسرهما من غير حضور أحد، دل على أن مرادهما الانفراد، وقد يكون في صوت الإنسان جَهوريَّةٌ تمنعه الإخفاء من حاضري مجلسه، وقد يكون في بعض الناس ذكاء يفهم به ما يسار به، بسماع لفظة منه، يستدل بها على ما خفي عنه، وقد يقال: في جلوسه من القبح: التصور بصورة النهي في تناجي اثنين دون ثالث، وقد لا يعلم من يراهم كذلك أن الثالث طارئ عليهم، فالاحتراز عن ذلك أولى، والله أعلم" انتهى.
ثانيا:
يلحق بالتناجي المنهي عنه كلام الاثنين دون الثالث بلغة لا يفهمها.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "وكذلك إذا تكلَّموا بلغةٍ لا يفهمها، كأن يتكلَّموا بالإنجليزية أو الفرنسية أو الأردية وهو لا يفهمها، وهو واحدٌ فقط، لا يجوز لهم ذلك؛ لأنه قد يظن أنهم يتناجون فيه، أو يتكلمون فيه بهذه اللغة" انتهى من فتاوى شرح رياض الصالحين
وقال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله:" ومن ذلك من التناجي بين اثنين دون الثالث، إذا كانوا ثلاثة واثنين يجيدان لغة أجنبية والثالث لا يجيدها، فجعلا يتحدثان بلغتهما، والثالث يسمع ولا يفهم ما يقولان، هذا نفس الشيء، لأن ذلك يحزنه، لماذا تركاني وصارا يتحدثان وحدهما؟ أو ربما يسيء الظن بهما، مثل أن يتكلم واحد مع آخر باللغة الإنجليزية، والثالث لا يعرفها، فهذا كالمتناجيين إذ أن رفع الصوت لا يفيدهم شيئا، فينهى عن ذلك".
وعليه؛ فإذا كنتِ وزوجك وضرتك في مكان، حرم أن يتكلما بلغة لا تفهمينها إلا أن تأذني بذلك.
وكذلك لو كنت معهم وأولادهما، فليس لهم أن يتكلموا بلغة لا تفهمينها إلا أن تأذني.
ودليل الرخصة عند الإذن: ما روى أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ ، إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ).
لكن إن دخلت عليهما مكانا وهما يتكلمان بلغتهما، فلا حرج عليهما، وليس لك القرب منهما إلا إن علمت رضاهما بذلك.