إصلاح القلوب لا يكون بالكلام وبل بالعمل السعي لإرضاء الله وتهذيب النفوس وله وسائل مثيرة ويحتاج لمجاهدة وصبر حتى يصل العبد إلى الله.
إصلاح القلوب:
إن غفل العبد عن لقاء الله وظل يرتع في دنياه بلا رقيب ولا حسيب يوشك أن يفاجئه الموت وهو غافل عن آخرته فيخسر كل شيء.
أما هذا الذي يتبه ويحاسب نفسه ويتذكر المواعظ فحري أن ينتبه من غفلته ويتوب من غفوته ويستغفر على هفوته فتبدل سيئاته حسنات.
فالعبد إذا لم ينتبه في هذه الدنيا ويستيقظ قلبه ويتدارك ما فات قبل نزول الموت بساحته، فإنه يكون يوم القيامة من النادمين، قال الله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ}(الأنعام: 31).
التوبة قبل الموت:
وبعد الموت لا مجال للندم والبكاء ساعتها توفى كل نفس ما كسبت ولا ينفع ندم ولا حسرة
فهو إذا ندم بعد فوات الأوان لا ينفع صاحبه، قال عز وجل: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}(المؤمنون: 99، 100).
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "اعلم أن الإنسان ما دام يُؤمِّلُ الحياة، فإنه لا يقطع أمَلَه من الدنيا، وقد لا تسمحُ نفسُه بالإقلاع عن لذَّاتها وشهواتها من المعاصي وغيرها، ويُرجِّيه الشيطان التوبة في آخر عُمُره، فإذا تيقَّن الموت، وأيس من الحياة، أفاق من سَكْرَتِه بشهوات الدُّنيا، فندم حينئذٍ على تفريطه ندامة يكادُ يقتل نفسه، وطلب الرجعة إلى الدنيا؛ ليتوب ويعمل صالحًا، فلا يُجابُ إلى شيءٍ من ذلك.
محاسبة النفس:
وإصلاح القلوب وأحوالها يكون بمحاسبة النفس الغافلة وردها إلى الطريق؛ محاسبة النفس إذا من أعلى اهتمامات أرباب القلوب الحية وأولى أوليات ذوي الألباب الواعية، وذلك أنهم لما أدركوا أن الله تعالى مطلع على حركاتهم وسكناتهم وخطراتهم ولحظاتهم وأنه يحصي ذلك عليهم ثم إليه إيابهم وعليه حسابهم، فعلموا أن من حاسب نفسه قبل يوم الحساب خف في ذلك اليوم حسابه، وحضر عند السؤال جوابه، وحسن منقلبه ومثابه.
ندم في غير موضعه:
أما من لا يهتم بأمر نفسه ولا يردعه موعظة ولا تذكير ولا يحاسب نفسه فيندم بعد ذلك ندما كبيرا ويعض على يديه بلا فائدة ولن تغني عنه حسراته ولن تخلصه اعترافاته واستغاثاته، لما أدركوا ذلك تحققوا أنه لن ينجيهم إلاّ لزوم المحاسبة وصدق المراقبة، فألزموا أنفسهم بذلك في الحركات والسكنات، واللفظات واللحظات والخطرات، واستدلوا لذلك بالآيات البينات، قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون * ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون) [الحشر: 18-19].
تذكر الموت يحفز على الخير:
ومن أفضل الوسائل لإحياء القلوب تذكر الموت وتذكره هنا يكون تذكرا إيجابيا لا ليخاف فقط بل ليعمل وينتبه ويصحح خطاه فلا شك أن تذكر الموت والاتعاظ به والاعتبار كل ذلك مطلوب شرعاً، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثروا ذكر هاذم اللذات"، يعني: الموت. رواه النسائي، والترمذي، وابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني.
قال الإمام القرطبي: (قال الدقاق: من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة. ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، وترك الرضى بالكفاف، والتكاسل في العبادة.)