ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية يقول السائل فيه: "عند الاستماع لبعض القُرَّاء أصحاب الصوت الحسن نجد الناس يُنكر عليهم تحسين أصواتهم؛ فما حكم تحسين الصوت عند قراءة القرآن الكريم؟ .
وأجاب الدكتور علي جمعة، مفتى الديار المصرية السابق، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، بان النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبّ الصوت الحسن؛ فقال لعبد الله بن زيد رضي الله عنه الذي رأى الأذان في منامه: «قُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ؛ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي لله عنه. ورواه أبو داود بسند صحيح من طريق ابن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن أبي لبابة رضي الله عنه، وزاد فيه: قال أحد رواة الحديث: "فقلت لابن أبي مليكة: يا أبا محمد، أرأيتَ إذا لم يكن حسن الصوت؟ قال: يُحَسِّنُهُ ما استطاع".
اقرأ أيضا:
من نشرها دخل الجنة .. هل هذا من التقول على الله؟وكان عليه الصلاة والسلام يقول: «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد والدارمي عن البراء بن عازب رضي الله عنه، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم. زاد الدارمي والحاكم وغيرهما: «فَإِنَّ الصَّوْتَ الْحَسَنَ يَزِيدُ الْقُرْآنَ حُسْنًا».
وقد بلغ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك غايةَ الكمال؛ فقد روى الشيخان عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرأ في العشاء بالتين والزيتون، فما سمعتُ أَحْسَنَ صَوتًا ولَا قِرَاءةً منه».
وروى الترمذي في "جامعه" من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: "ما بعث الله نبيًّا إلا حسن الوجه حسن الصوت، وكان نبيكم أحسنهم وجهًا وأحسنهم صوتًا".
وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنُ الصَّوْتِ، يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ»، وهو عند الطبري بسند صحيح بلفظ: «ما أذِنَ الله لشيء ما أَذِنَ لنبيٍّ حسنِ التَّرنُّمِ بالقرآن»، وأَذِنَ: أي استمع.
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اقْرَؤُوا القُرآنَ بلُحُونِ العَرَبِ وأَصْواتِهَا، وإيَّاكُم ولُحُونَ أَهْلِ الفِسْقِ والكَبَائِرِ» رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في "فضائل القرآن"، والطبراني في "الأوسط"، والبيهقي في "شعب الإيمان". وكان يقول: «مَن سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأ القُرْآنَ غَضًّا طَرِيًّا كَمَا أُنزِل فلْيَقرأْهُ عَلَى قِرَاءةِ ابنِ أمِّ عَبْدٍ» رواه ابن ماجه وأحمد، والبخاري في "خلق أفعال العباد"، وصححه ابن حبان، والحاكم، والضياء في "المختارة".
وكان يقول لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: «يَا أَبَا مُوسَى، لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ» متفق عليه. وزاد أبو يعلى في روايته في "مسنده": أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى االلهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ هُوَ وَعَائِشَةَ مَرَّا بِأَبِي مُوسَى وَهُوَ يَقْرَأُ فِي بَيْتِهِ، فَقَامَا يَسْمَعَانِ لِقِرَاءَتِهِ، ثُمَّ أَنَّهُمَا مَضَيَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ لَقِيَ أَبَا مُوسَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا أَبَا مُوسَى، مَرَرْتُ بِكَ الْبَارِحَةَ وَمَعِي عَائِشَةُ وَأَنْتَ تَقْرَأُ فِي بَيْتِكَ فَقُمْنَا وَاسْتَمَعْنَا». فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أَمَا إِنِّي يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ عَلِمْتُ لَحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيرًا.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأبي موسى رضي الله عنه: "ذَكِّرْنا ربَّنا"، فيقرأ أبو موسى ويتلاحن، وقال مرة: "من اسْتَطَاعَ أَن يُغني بِالْقُرْآنِ غناء أبي مُوسَى فَلْيفْعَل". رواه الطبري كما في "عمدة القاري" (20/ 41، ط. إحياء التراث العربي-بيروت) للإمام العيني.
قال أبو عثمان النهدي: "دخلت دار أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، فما سمعت صوت صَنْجٍ ولا بَرْبَطٍ ولا نايٍ أحسنَ من صوته" أخرجه ابن أبي داود بسند صحيح كما في "فتح الباري" للحافظ (9/ 93، ط. دار المعرفة-بيروت).
وقـال ابن أبي مسجعة: "كان عمر رضي الله عنه يُقدِّم الشاب الحسن الصوت لحسن صوته بين يدي القوم" أخرجه ابن أبي داود كما في "عمدة القاري" للإمام العيني (20/ 55، ط. إحياء التراث العربي-بيروت).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن داود عليه السلام كان يقرأ الزبور بسبعين لحنًا، ويقرأ قراءة يطرب منها المحموم، فإذا أراد أن يبكي نفسه لم تبق دابة في بر أو بحر إلا أنصتت معه واستمعت وبكت" رواه عمر بن شبة عن أبي عاصم النبيل: حدثني ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس فذكره. "فتح الباري" (9/ 71، ط. دار المعرفة-بيروت).
وعلى استحباب تحسين الصوت عند قراءة القرآن الكريم استقرت كلمة العلماء؛ قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: [لا بأس بالقراءة بالألحان وتحسين الصوت بأي وجه كان] اهـ. "شرح السنة" (4/ 487، ط. المكتب الإسلامي-دمشق) للإمام البغوي.
وقال القاضي عياض رحمه الله: [أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقراءة وترتيلها] اهـ. "شرح النووي على مسلم" (6/ 80، ط. دار إحياء التراث العربي-بيروت).
والذي يتحصل من الأدلة كما يقول الحافظ في "الفتح" (9/ 72، ط. دار المعرفة) [وعلى استحباب تحسين الصوت عند قراءة القرآن الكريم استقرت كلمة العلماء، ومن جملة تحسينه أن يراعى فيه قوانين النغم؛ فإن الصوت الحسَن يزداد حُسنًا بذلك، وإن خرج عنها أثَّر ذلك في حُسنه، وغير الحَسَن ربما انجبر بمراعاتها ما لم يخرج عن شرط الأداء المعتبَر عند أهل القراءات، فإن خرج عنها لم يفِ تحسين الصوت بقُبح الأداء] اهـ.