السخرية والضحك في مواقف الوعظ والأمور العظيمة، أصبحت من أكثر الأدواء انتشارًا وأشدها فتكًا بقلوب المسلمين، وقد حذر الله تعالى من هذا الداء في عشرات الآيات القرآنية الكريمة فقال تعالى في سورة التوبة: "فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ".
فالقلب قد ينقلب إلى أشد من الحجر في القسوة والغلظة والصلابة، إذا عرض عليه عارض الجحود والكفر والسخرية في المواقف العظيمة، فبعض الناس تجده في أشد المواقف عظمة خلال التعرض للموعظة، تجده يسخر منها ولا يتأثر بها، فتبدوا عليه مظاهر الاستكبار على آيات الله، تمامًا كما فعل بنو إسرائيل حيث وصلوا إلى مرحلة شدة قسوة القلب التي وصفها الله تعالى بقوله: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة:74].
وترى بعضهم يغلب عليه كثرة المزاح والإسفاف وتماديه فيه، حتى في موقف الدعوة إلى الله تعالى من أجلِّ الأقوال وأفضل الأعمال؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33].
، الاستفهام إنكاري، جوابه: لا أحد أحسَن ممَّن يدعو إلى الله تعالى؛ بل هي مَهمَّة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، ومهمَّة أتباع الرسل.
الاستهزاء بآيات الله
ومنهم من يتخذ آيات الله هزوا وتجد بعضهم قد التقَط النكات والمقاطِع من آيات القرآن الكريم واستغلالها من أجل الإضحاك في الأفلام والمسلسلات.
وقد كان الصحابة حينما يسمعون كلام الله يبكون لشدة ما تعرضوا له من الخشوع والتأثر بكلام الحق، أخرج أحمد وغيره عن أسامة بن شريك قال: أتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه حوله، وعليهم السَّكينة، كأنما على رؤوسهم الطَّير، فسلَّمتُ، ثم قعدتُ..."؛ الحديث.
وعن أنس رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا " .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من القلب الذي لا يخشع فيقول «... اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها» .
ويقول ابن القيم رحمه الله: "ومتى أقحطت العين من البكاء من خشية الله تعالى فاعلم أن قحطها من قسوة القلب، وأبعد القلوب من الله: القلب القاسي" وكان كثير من السلف يحب أن يكون من البكائين، ويفضلونه على بعض من الطاعات، كما قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "لأن أدمع من خشية الله أحب إليَّ من أن أتصدق بألف دينار".
فعدم تأثر الناس بالموعظة وتلاوة القرآن دليل على قسوة القلوب والجحود، وكثير من المسلمين اليوم يسمعون المئات من المواعظ عبر وسائل الاتصال الحديثة، بل إن آيات القرآن الكريم تتلى في كل بيت ومصنع ومركب، إلا أن التأثر بكل ذلك قليل ونادر، الأمر الذي يشير إلى قسوة في القلب وضعف في الإيمان.
قسوة القلب
ولم يعد مرض قسوة القلب إذن مرضًا استثنائيًا أو نادرًا كما كان عليه الأمر في زمن السلف الصالح، وإنما أضحى اليوم وباء يجتاح القلوب ويفسد الأرواح، ويحتاج بإلحاح إلى العلماء والدعاة الربانيين المختصين بعلاج أمراض القلوب والأرواح.
ولا يوجد علاج لهذه الآفة سوى علاج واحد فقط هو تلاوة القرآن بخشوع، فتلاوة القرآن بتدبر وحضور تلين القلب القاسي، وتستدر الدمع من خشية الله تعالى، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ سُجَّدًا . وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبّنَا لَمَفْعُولًا . وَيَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء:107-109].