هناك مواسم للتشاؤم يمر بها الإنسان في فترات كثيرة من الحياة العصيبة، وسط تراكمات الأزمات الاقتصادية والبحث عن لقمة العيش، فيدخل الإنسان في نوبات اكتئاب متعددة، ويسير عليه التشاؤم، حتى إذا ما استسلم له أصبحت تحت وطأة أمراضه النفسية، ليكون فريسة سهلة بعد ذلك للضرب القاضية، إما بالاتجاه للانتحار كما يلجأ البعض، وهو محرم قد يدخل صاحبه النار، وإما أن يكون إنسانًا سلبيًا لا يغير من الأمر شيء.
لذلك يقول الله تعالى (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) فبين تعالى أنه حرم على العبد ظلم نفسه فيها بالتعنت والشدة، والتشاؤم والتطير مما جاءت الشريعة الغراء بنفيه والنهي عنه، قال تعالى (وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا).
و نهى النبي صلى الله عليه وسلم، عن التشاؤم والطيرة فقال، عليه الصلاة السلام: ("لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر".
قال تعالى: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك بشيء إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيءقد كتبه الله عليك).
فالنافع والضار والرازق والمفقر والمغني هو الله، لذلك لا داعي للتشاؤم لأن كل مقدر بقدر الله تعالى.
اظهار أخبار متعلقة
ماهو التشاؤم؟
التشاؤم هو: حالة نفسيَّة تقوم على اليأس والنَّظر إلى الأمور من الوجهة السَّيِّئة، والاعتقاد أنَّ كلَّ شيء يسير على غير ما يُرام، وهو عكس اليُمْن أو التفاؤل.
وكانوا في القديم يتطيرون بالسوانح والبوارح فينفرون الظباء والطيور، فإن أخذت ذات اليمين تَبرَّكوا به ومضوا في سفرهم وحوائجهم، وإن أخذت ذات الشمال رجعوا عن سفرهم وحاجتهم وتشاءموا بها، فكانت تصدهم في كثير من الأوقات عن مصالحهم] .
وقد جاء الإسلام بهدم هذه العادة الجاهلية والتحذير منها؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا عَدْوَى، ولاَ طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الفألُ»، قالوا: وَمَا الْفَأْلُ؟ قال: «كَلِمَةٌ طَّيِّبَةٌ» متفق عليه.
والحكمة مِن منع التشاؤم والتطير عمومًا أو بالأزمنة خصوصًا: هو أنَّ في هذا التشاؤم سوء ظن بالله سبحانه وتعالى، وإبطاء الهمم عن العمل، وتشتت القلب بالقلق والأوهام، فيميت في المرء روح الأمل والعمل، ويدبُّ فيه اليأسُ، وتضعف الإرادة والعزيمة لديه، وربما نَزَل بالشخص بسبب هذا التشاؤم المكروه الذي اعتقده بعينه على سبيل العقوبة له على اعتقاده الفاسد.
والتشاؤم نوع من التَّطيُّر إذا كان ردُّ الفعل مكروهًا، ويقابله التفاؤل والفأْل إذا كان ردُّ الفعل مقبولاً . والباعث عليه هو رغبة الإنسان في معرفة ما يغيب له، وهو قديم تحدَّث عنه القرآن الكريم، فقال عن ثمود قوم صالح ـ عليه السلام ـ (قَالوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ، قَال طَائِرُكُم عند الله) (النمل : 47) وعن قوم موسى ـ عليه السلام ـ (وإِنْ تُصِبْهُم سيئة يَطَّيَّرُوا بموسى ومَنْ مَعَهُ أَلا إنَّما طَائِرُهُم عند الله) (الأعراف : 131) وعن أصحاب القَرية التي بَعث إليها أصحاب عيسى ـ عليه السلام (قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُم وَلَيَمَسَّنَّكُم منَّا عذابٌ أَلِيم. قَالُوا طَائِرُكُم مَعَكُمْ) (يس : 18،19).
وقد ذمَّ الله التَّطَيُّر وحكاه عن قوم هم أعداء الرسل، ومعنى طائركم وطائرهم ما قضى وقدَّره عليهم بسبب كفرهم وتكذيبهم، وهو راجع عليهم، وذمَّه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث الصحيحين عن الذين يدخلون الجنة بغير حساب بقوله: “ولا يَتَطَيَّرون وعلى ربهم يتوكلون”.
الشؤم في ثلاث
وفي الصحيحين أنه قال: “الشؤم في ثلاث، في المرأة والدار والدابة” وفي المُوَطَّأ أنه أمر امرأة بالتحوُّل من دارها لِمَا أصابهم فيها من مكروه.
وحديث الشؤم رُوِيَ بوجْهين، أحدهما بالجزم والثاني بالشرط. فالأول “الشُّؤم في الدار والمرأة والفرس” والثاني “إنْ يَكُن من الشؤم شيء حقًّا ففي الفرس والمسكن والمرأة” فقالت طائفة: لم يجزم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالشؤم في هذه الثلاثة، بل علَّقه على الشرط، ولا يلزم من صدق الشرطية صدق كل واحد من طرفيْها، وقالت طائفة أخرى: إضافة الشؤم إليها مجاز واتساع، أي قد يحصل مقارنًا لها؛ لأنها هي نفسها مما يوجب الشؤم، فقد تكون الدار قد قضى الله أن يُميت فيها بعضًا من خَلْقه، فمن كتب الله عليه الموت في تلك الدار حسَّن إليه سُكناها حتى يُقبَض فيها.
و سئل مالك ـ رضي الله عنه ـ عن الشؤم في الدار فقال: إن ذلك كذِبٌ فيما نرى، كم من دار سكنها ناس فهَلكوا، ثم سكنها آخرون فملَكوا. وقال آخرون: إنما يلحق الشؤم مَن تشاءم منها، أما من توكَّل على الله فلا يَلحقه ضرر منها، ولذلك نصح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المرأة أن تتحول عن هذه الدار ما دامت تتشاءم منها، وهو من باب الرحمة والتيسير، بدل أن يُرْغِمَها على سُكْنَاها، ونفسها لم تتهيأ لترك الشؤم وللاتكال على الله بعد، فقد يَزيدها ذلك اعتقادًا في التَّطَيُّر وهو شرك، أو يُسْلِمها إلى الحزن بكراهة الدار، ولو أُرغم مَن ضاق رزقه في بلد على عدم مفارقتها لكان ذلك هو الحرج الذي لا يرضاه الله لعباده.