انتشرت في الآونة الأخيرة حالات الحوادث وفقد الأسر أبناءها، وتعددت صور هذا الفقد بين حوادث طرق أو التردي والوقوع في المجاري المائية أو غير ذلك.
وهذا الفقد له آثاره السيئة على الأسرة لاسيما الآباء والأمهات الذين يفقدون فلذات أكبادهم في سن الزهور يفقدون بناتهم وأولادهم الشباب فهذا الفقد يحزن ويؤلم وتكون فاجعة ويلزم له الصبر وهذا الصبر لا يستطيعه كل الناس.
قصة المرأة الصابرة على فقد ابنها:
ومن القص الجميلة في فقد الأبناء والصبر عليه ما حدث من أمر هذه المرأة الصالحة التي صبرت على فقد ابنها صبرا أدهش زوجها فماذا فعلت.
إنها الصابرة المحتسبة العاقلة اللبيبة أم سليم رضي لله عنها، لما مات ابنها قالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة ـ تعني زوجها ـ بابنه حتى أكون أنا أحدثه. فلما جاء قربت إليه عشاء فأكل وشرب، ثم تصنَّعت له أحسن ما كان تصنع قبل ذلك فوقع بها، فلما رأت أنه قد شبع وأصاب منها قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا. قالت: فاحتسب ابنك. فغضب وقال: تركتني حتى تلطخت ثم أخبرتني بابني. فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله لكما في غابر ليلتكما. فحملت فولدت غلاما. رواه البخاري ومسلم واللفظ له. وفي رواية عند البخاري: فقال رجل من الأنصار: فرأيت لهما تسعة أولاد كلهم قد قرأ القرآن.
الذي يتلخص في الفوز بالجنة، وما أدراك ما الجنة قال تعالى في الحديث القدسي: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة. رواه البخاري.
قال ابن الجوزي في (كشف المشكل): الصفيُّ المصطفى كالولد والأخ وكل محبوب مؤثر، وقال ابن حجر في (الفتح الباري): "فاحتسب" أي صبر راضيا بقضاء الله راجيا فضله.
جزاء الصبر على فقد الأبناء:
وجزاء الصبر على فقد الأبناء عظيم وقد وعد به رسول الله فعن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده. فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد. رواه الترمذي وحسنه، وأحمد، وحسنه الألباني.
من روائع الصبر على فقد الأبناء:
ومن روائع الصبر على فقد الأبناء ما جاء عن قرة بن إياس قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه وفيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره فيقعده بين يديه، فهلك فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه فحزن عليه، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مالي لا أرى فلانا؟ قالوا: يا رسول الله بنيه الذي رأيته هلك. فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن بنيه فأخبره أنه هلك، فعزاه عليه ثم قال: يا فلان أيما كان أحب إليك أن تمتع به عمرك أو لا تأتي غدا إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك. قال: يا نبي الله بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لي لهو أحب إلي. قال: فذاك لك. رواه النسائي وصححه ابن حبان والحاكم وابن حجر والألباني.