من الوصايا النبوية الرائعة أنك لا تبالغ في مدحك للغير بل ولا تمدحه بما ليس فيه لاسيما إن كان هذا يؤثر عليه سلبًا ويجعله يغتر بنفسه وربما تطاول على الناس بما مدحته به زورا.
الاعتدال في المدح:
فالمسلم مطالب بالاعتدال في أمور كلها ومن يتأمل وصايا الرسول نجده ركز على هذا الجانب حتى لا يدع للشيطان فرصة للتسلسل للغير فيوقعه في المعصية أو الخطيئة، فقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم من أثنى على رجل عنده بكلمات واضحات تبين خطورة الأمر؛ فحينما أَثْنَى رَجُلٌ علَى رَجُلٍ عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: ويْلَكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ أخِيكَ - ثَلَاثًا - مَن كانَ مِنكُم مَادِحًا لا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أحْسِبُ فُلَانًا، واللَّهُ حَسِيبُهُ، ولَا أُزَكِّي علَى اللَّهِ أحَدًا، إنْ كانَ يَعْلَمُ".
حب المدح:
وإن كان هذا الكلام السابق في حق من يمدح الغير فإنه في حق من يريد المح ويحب ثناء الناس عليه أعظم جرما لأنه يعرضه للفجور ربما أو يقوي نفسه عليه وربما يذهب بثواب عمله إن كان يرائي بهذا فهي آفة من الآفات يلزم لعلاجها التربية على الإخلاص وتحقيق النية لله تعالى بأن يصدق العبد في طلب التخلص من هذه الآفة ليستقيم له سيره إلى ربه، يقول ابن القيم ـ رحمه الله: وَالْوُقُوفُ عِنْدَ مَدْحِ النَّاسِ وَذَمِّهِمْ عَلَامَةُ انْقِطَاعِ الْقَلْبِ، وَخُلُوِّهِ مِنَ اللَّهِ، وَأَنَّهُ لَمْ تُبَاشِرْهُ رُوحُ مَحَبَّتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَلَمْ يَذُقْ حَلَاوَةَ التَّعَلُّقِ بِهِ وَالطُّمَأْنِينَةِ إِلَيْهِ.
كيف أكون من المخلصين؟
وحب المدح ينافي الإخلاص ويلزم التخلص منه فيكون بإحضار معاني أسماء الرب تعالى وصفاته في القلب، واستشعار فناء الدنيا وحقارتها، وأن جميع البشر لو أثنوا على العبد وهو عند الله مذموم لم ينفعه ذلك، ولو ذموه وهو عند الله محمود لم يضره ذلك، فالذي يزين مدحه ويشين ذمه هو الله تعالى وحده.
حال المسلم مع من يمدحه:
وحال المسلم مع من يمدحه لابد أن يكون متزنا لا ينبهر بل يعرف قدر نفسه ولا يغتر بثناء الغير عليه حتى لا يفتن، قال الإمام المحقق ابن القيم عليه الرحمة: وأما الزهد في الثناء والمدح فيسهله عَلَيْك علمك أَنه لَيْسَ أحد ينفع مدحه ويزين ويضر ذمه ويشين إِلَّا الله وَحده، كَمَا قَالَ ذَلِك الْأَعرَابِي للنَّبِي إِن مدحي زين وذمي شَيْن، فَقَالَ ذَلِك الله عز وَجل، فازهد فِي مدح من لَا يزينك مدحه وَفِي ذمّ من لَا يشينك ذمّه وارغب فِي مدح من كل الزين فِي مدحه وكل الشين فِي ذمه، وَلنْ يقدر على ذَلِك إِلَّا بِالصبرِ وَالْيَقِين، فَمَتَى فقدت الصَّبْر وَالْيَقِين كنت كمن أَرَادَ السّفر فِي الْبَحْر فِي غير مركب: قَالَ تَعَالَى: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يوقنون، وَقَالَ تَعَالَى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ.