من أكثر الأشياء التي تضع الإنسان في حيرة من أمره، وتصنع منه إنسانًا تائهًا مشوشًا لا يستطيع التركيز في عمل أو دراسة، ويضيع وقته في التفكير دون جدوى.. هو الحب من طرف واحد، فما أكثر الرجال الذين ضاعت أعمارهم في حب النساء، دون أن ينالوا من حبهم شيئا، سواء كان حلالاً أو حرامًا.

فحب المرأة من طرف واحد هو ضياع وقتل بالبطئ، وعقل مشوش، وفكر مضطرب، ورجل مهتز، ومشاعر نارية، وعصبية جارفة، وأخلاق غير موزونة، فالحب حينما يسيطر على الرجل بدون فائدة يجعل منه أسيرا مكبلا، هائما على وجهه، لا يعرف أين يمضي وفي أي الطريق يسير، ولا يعرف ماهي عاقبته، غير أنه يضيع عمره ووقته سدى، خاصة وإن كان هذا الحب من رجل سلبي، لا هو طلب الزواج من هذه المراة فحسم أمره، وعرف مشاعرها تجاهه، ولا هو تجاوز هذا الحب بأن يجعل من نفسه رجلا محددا هادفا وناجحا في أن يختار غيرها، وينجح في أن يفتح بيتا وينشئ أسرة ناجحة.

وقد تصل مستويات الحب السلبي أو الحب من طرف واحد، إلا العزلة عن الناس، والاكتئاب، والفشل في الدراسة والعمل، فتجد الناس يمضون في أهدافهم لتحقيقها، وهذا العاشق الفاشل يقف كما هو، لا يتحرك، حتى ولو تحرك غيره للزواج من حبيبته، فهو لا يفعل شيئا غير أنه يجلس كئيبيا متشائما، لا يفعل شيئا.

فعندما يكون الحب من طرف واحد، والصبر من طرف واحد، والتنازل من طرف واحد، فإن هذا يُنذر بتطورات ونتائج غير طيبة.

ولا يختلف أحد من المسلمين على سمو الحب، وكيف وصف القرآن هذه العلاقة الطيبة بين المتحابين حينما تكون في إطارها الشرعي، لكنها قد تنقلب إلى كارثة، حينما تؤدي للتيه، وإلى معاناة قاسية وعذاب بلا نهاية للروح والجسد.

فإذا كانت العلاقة العاطفية قائمة بين طرفين يحبان بعضهما البعض، ويتبادلان نفس الأحاسيس والشعور، ويتوجان حبهما بالزواج الشرعي، فوقتها تحدث السعادة، أما إذا كان الحب من طرف واحد فليس هو سوى مصدرا للتعاسة والألم والعذاب،لإنه حب ناقص أو مبتور، لم يكتمل طرفاه، وهو يسبب حيرة، أو قلقاً لن يشعر به لأنه لا يعرف مشاعر من يحبه، فيحدث كبتا للمشاعر.

لا تجعله شركًا

يتحول الحب في بعض الأوقات حينما يؤدي للكبت والتيه، إلى العشق المحرم الذي ملك فكر صاحبه، وملأ قلبه وصار منشغلاً به كل وقتك، وهذا النوع من الحب والعشق الذي وقع فيه قد يوصل إلى المحبة الشركية التي يسوي فيها المحب بين حب الله وحب محبوبه أو يحب محبوبه أكثر من حب الله، قال تعالى: [وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ](البقرة: 165)

قال ابن تيمية في كتابه الا ستقامة في تفسير هذه الآية: "فالمؤمنون أشد حباً لله من المشركين الذين يحبون الأنداد كما يحبون الله، فمن أحب شيئاً غير الله كما يحب الله فهو من المشركين لا من المؤمنين.

قال تعالى عن أهل النار: [تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ*إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ] (الشعراء:98)، قال بعض المفسرين: " والله ماساووهم بالله في الخلق والرزق والتدبير، ولكن ساووهم في المحبة والاجلال والتعظيم".

اقرأ أيضا:

أهلي يرفضون حبيبي.. ما المشكلة لو تزوجته رغمًا عنهم؟

كيف تتخلص من التيه في الحب؟

أولا: إخلاص العمل ومنه حبك لله عز وجل فلا تصرف منه شيئاً لغير الله.

ثانياً: أن تتضرع إلى الله وتلجأ إليه أن يصرف عنك هذا التعلق الذي لا فائدة فيه ولا جدوى وأن تسأل الله عز وجل أن يرزقك حبه كما جاء في الحديث: " أسالك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقرب إلى حبك. أخرجه الترمذي، وهو صحيح.

ثالثاً: عليك أن تشتغل بما ينفعك في دينك ودنياك، لعل الله ينسيكها، ويبدلك بفتاة خيرا منها. أوييسر لك الزواج منها ، واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيراً منه.

رابعاً: لتعلم أن قولك إنك لا تستطيع أن تعيش من دونها، تلبيس عليك من الشيطان ودليل على ضعف عزيمتك واعلم أنك لو تزوجتها فإنك ستفارقها في يوم ما كما جاء في الحديث ( وأحبب من شئت فإنك مفارقه) رواه الطبراني.

خامساً: اعلم أنك خلقت لعبادة الله وحده لا شريك له ولا ينبغي أن يصرفك عن عبادة الله أي شاغل كان امرأة أو غيرها، واعلم أن هذا الحب والعشق إذا لم تتخلص منه فقد يوصلك إلى مالا تحمد عقباه أو يصل بك إلى ما وصل إليه من جنوا بسبب هذا النوع من العشق.

سادساً: عليك أن تملأ فراغك بطاعة الله عز وجل وتلاوة كتابه وتعلم العلم الشرعي حتى تفوز برضى الله عز وجل فعساه سبحانه وتعالى أن يخلصك مما أنت فيه فهو نعم المجيب وبالاجابة جدير.