يسأل أحدهم: هل الملكية الفكرية من الإسلام؟.. والإجابة بالتأكيد نعم، فالإسلام لا يمكن أبدًا أن يؤيد بأي شكل من الأشكال (النقل بدون حق)، أو الاقتباس بدون حق، فترى الباحث يقدم بحثه للحصول على الماجستير أو الدكتوراه، وهو ناقل من هنا أو هناك، ولا ينسب ما نقله لمصدره الحقيقي، فتكون النتيجة أنه يحصل على درجته العلمية دون وجه حق.
فالإسلام يرى الإنتاج الفكري أسمى ما يتميز به الإنسان، وأن هذا الإنتاج يجب أن يكون صادقًا ونافعًا للبشرية، وأن الظن أو التخمين أو الخرافات ليست من طبع الإنسان المسلم، ولهذا بالقدر الذي حرص الإسلام على التماس العلم، حرص كذلك على توثيقه وإبعاده عن شبهة الاختلاق أو الابتداع، وبالتالي فمن سبق إلى شيء، فهو أحق به وبنسبته إليه، وله أن ينتفع به على أي وجه من الوجوه المشروعة.
حق الاجتهاد
إذن (النقل دون وجه حق) إنما هو لاشك تعدي على حقوق الناس دون وجه حق، ولو تتبعت أحاديث النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، لعلمت أن الفرق بين ما هو (صحيح) أو (موضوع) فيمن نقل.. فالناقل واسمه وصدقه هو الذي يثبت قول النبي صلى الله عليه وسلم، أو يكون العكس، فيحسب الحديث (موضوعًا)، فتخيل أنت تنقل دون مصدر، ودون إثبات ما يتم نقله، فتكون النتيجة أن يصدقه البعض، ومن ثمّ كأنك تكذب عليهم.
بينما إثبات المصدر، يفتح الباب أمام تصديق المنقول أو رفضه، والمجتمع المسلم تشدد كثيرًا في عملية توثيق الإبداع الإنساني وحماية هذه الخصوصية الفكرية، وقد انعكست هيبة القرآن على الكتب والكلمات الأخرى بما يقرر أن التراث العقلي الإسلامي قد أضفى على الكلمة شيئا من القداسة والهيبة والمكانة.
اقرأ أيضا:
لحظات عصيبة.. هذا هو ما يحدث عند سكرات الموت فكيف تهونها على نفسك؟طلب العلم
يا من تتصور أن النقل ليس به شيء، فالعقل والبدن خلق الله، وثمرتهما رزق من الله، ومن حق المخلوق أن يحفظ رزق الله وما خلقه، وكل آيات القرآن الكريم وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تقرر هذه الخصوصية والمسؤولية والفرضية، فالسمع والبصر والعقل والفؤاد كان الإنسان عنه مسؤولاً، وطلب العلم بالعقل والتربية فريضة على كل مسلم، بل رأينا الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب تدوين العلم، في مؤلف، بصيغة الأمر الذي قد يعني الوجوب بالمفهوم الشرعي، كما في حديث البيهقي حيث قال عليه الصلاة والسلام: «قيدوا العلم بالكتاب».
ولا ننس أن العلم كله بالأساس يرد إلى الله، فحين تنقل انسب المصدر، أو قد تكون (ناقل بغير وجه حق) فتقع فيما لا ينفعك.. فقد أباح الإسلام للمؤلف الانتفاع المادي مما ألفه، وبالتالي فإن حماية التأليف والإبداع الفكري من ثوابت الإسلام وخواصه.