الشعور بالملل من المتلازمات التي يشعر بها أي مخلوق على وجه الأرض، فدائمًا ما يشعر الإنسان بالفراغ، والملل، والاكتئاب، والبحث عما هو جديد ليجدد به حياته، ولقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم بعد أن تربوا على يد النبي صلى الله عليه وسلم هذا، فانشغلوا بما ينفعهم في الدنيا والآخرة.
فكان الصحابة يمزحون ويضحكون ويلعبون ويتندرون؛ ويطورون من إمكاناتهم الفردية، تلبية لنداء الفطرة وتمكينًا للقلوب من حقها في الراحة، لتكون أقدر على مواصلة السير في طريق الجد.
القلوب تمل كما تمل الأبدان
وفي ذلك يقول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: إن القلوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكمة.
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: إني لأستجم نفسي بالشيء من الباطل؛ ليكون أعون لها على الحق.
فالمسلم يبحث عما يطور به نفسه ويحارب به ملله واكتئابه، ويشرح صدره، ولا حرج عليه أن يروح نفسه ونفوس رفقائه بلهو مباح. على ألا يجعل ذلك ديدنه وخلقه في كل أوقاته، ويكون لهوه مفيدا ونافعا لهن فلا يقرب الحرام منه.
وقد أحل الشرع الشريف صورا عديدة من اللهو، وفنون من اللعب شرعها النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين ترفيهًا عنهم، وترويحًا لهم، وهي في الوقت نفسه تهيئ نفوسهم للإقبال على العبادات والواجبات الأخرى، أكثر نشاطًا وأشد عزيمة، وهي مع ذلك في كثير منها رياضات تدربهم على معاني القوة، وتعدهم لميادين الجهاد في سبيل الله. ومن ذلك:
مسابقة العدو (الجري على الأقدام)، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتسابقون على الأقدام، والنبي صلى الله عليه وسلم يقرهم عليه، وقد رووا أن عليا كرم الله وجهه كان عداءً سريع العدو.
وكان النبي نفسه صلى الله عليه وسلم، يسابق زوجته عائشة رضي الله عنها مباسطة لها، وتطييبًا لنفسها، وتعليمًا لأصحابه..قالت عائشة: سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته، فلبثت حتى إذا أرهقني اللحم (أي سمنت) سابقني فسبقني، فقال: "هذه بتلك"، يشير إلى المرة الأولى.
اظهار أخبار متعلقة
وقد صارع النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا معروفًا بقوته يسمى "ركانة" فصرعه النبي أكثر من مرة.
وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم صارعه -وكان شديدًا- فقال: شاة بشاة. فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: عاودني في أخرى. فصرعه النبي، فقال: عاودني. فصرعه النبي الثالثة، فقال الرجل: ماذا أقول لأهلي؟ شاة أكلها الذئب، وشاة نشزت، فما أقول في الثالثة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما كنا لنجمع عليك أن نصرعك ونغرمك، خذ غنمك.
وقد استنبط الفقهاء من هذه الأحاديث النبوية مشروعية المسابقة على الأقدام، سواءا كانت بين الرجال بعضهم مع بعض، أو بينهم وبين النساء المحارم أو الزوجات، كما أخذوا منها أن المسابقة والمصارعة ونحوها لا تنافي الوقار والشرف والعلم والفضل وعلو السن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حين سابق عائشة كان فوق الخمسين من عمره.
ارموا وأنا معكم
وكان النبي عليه السلام يمر على أصحابه في حلقات الرمي (التصويب) فيشجعهم ويقول: "ارموا وأنا معكم".
ويرى عليه الصلاة والسلام أن هذا الرمي ليس هواية أو لهوا فحسب، بل هو نزع من القوة التي أمر الله بإعدادها (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) وقال عليه السلام في ذلك: "ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي". وقال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالرمي فإنه من خير لهوكم"، غير أنه عليه السلام حذَّر اللاعبين من أن يتخذوا من الدواجن ونحوها غرضًا لتصويبهم وتدريبهم، وكان ذلك مما اعتاده بعض العرب في الجاهلية.
ومن أجل ذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التحريش بين البهائم، وذلك بتسليط بعضها على بعض، وكان من العرب من يأتون بكبشين أو ثورين يتناطحان حتى يهلكا أو يقاربا الهلاك، وهم يتفرجون ويضحكون.
وقالت عائشة زوج النبي الكريم: "لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد، حتى أكون أنا الذي أسأمه، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحريصة على اللهو"، وقالت كنت ألعب بالبنات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته -وهن اللعب- وكان لي صواحب يلعبن معي، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل ينقمعن (يستخفين هيبة منه) فيسربهن إلى، فيلعبن معي".
وقال عمر: "علِّموا أولادكم السباحة والرماية، ومروهم فليثبواعلى ظهور الخيل وثبًا".
وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سبق بين الخيل وأعطى السابق. وكل هذا من النبي صلى الله عليه وسلم تشجيع على السباق وإغراء به؛ لأنه كما قلنا -لهو ورياضة وتدريب، وقيل لأنس: أكنتم تراهنون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراهن؟ قال: نعم، والله لقد راهن على فرس يقال له سبحة، فسبق الناس، فهش لذلك وأعجبه".
والرهان المباح أن يكون الجُعل الذي يُبذَل من غير المتسابقين أو من أحدهما فقط، فأما إذا بُذَل كل منهما جعلًا على أن مَن سبق منهما أخذ الجعلين معًا فهو القمار المنهي عنه. وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم هذا النوع من الخيل الذي يعد للقمار "فرس الشيطان" وجعل ثمنها وزرًا، وعلفها وزرًا، وركوبها وزرًا.