الحج رحلة روحانية عظيمة يتجرد خلالها المسلم من متاع الحياة الدنيا وزينتها ويخلو إلى ربه عابدأ متنسكًا راجيًا مغفرة الله ورحمته وقبول توبته وتفقته، ويهفو قلبه إلى المشاعر المقدسة من قبل أن يصل إلى الأراضي الطاهرة المباركة.
ورحلة بهذا الجلال تستحق من المسلم الذي نوى حج بيت الله الحرام أن يستعد لها الإستعداد الكامل الذي يليق بمدى إظهار حبه لهذه الشعائر الربانية، وهذا الإستعداد يتناول عدة نواحي وهي كالآتي :
1-الإستعداد الفقهي:
وهو العلم بأحكام الحج قبل دخول موسمه بمدة كافية حتى يتمكن الحاج من أداء نسكه على الوجه المطلوب والموافق للسنة، ولا تخلو دولة مسلمة وخاصة دول الخليج والدول العربية من إقامة دورات متخصصة في هذا الباب، ومن تعذر عليه حضور الدورات العلمية فلا أقل من التواصل مع إخوانه عبر النت أو سماع الأشرطة وقراءة الكتيبات النافعة أو حضور الندوات التي تقام لهذه المناسبة.
2-الإستعداد المالي:
بحيث يوفر المبالغ التي تمكنه من إتمام حجه دون نقص أو تقصير، فكم حصلت أمور أخلت ببعض واجبات الحج أو أركانه بسبب نقص الميزانية لرحلة الحج وغالبية هؤلاء الذين يحجون أفراداً غير ملحقين بحملات بلادهم.. ومن الإستعداد المادي تفقد الحجوزات والجوازات والتأكد من صلاحيتها، وتوفير ما يلزم توفيره من طعام وشراب وإحرامات إضافية حيث يمكث الحاج في إحرامه ثلاث إلى أربعة أيام قد يضطر لتغيير إحرامه لأي ظرف بأخرى نظيفة، ولابد من أخذ الاحتياط في المزدلفة فقد تكون ليلتها باردة فلا يمنع من التدثر بالفروة أو البطانية بشرط ألا يغطي رأسه .
3-الإستعداد النفسي:
وهو التهيؤ النفسي بمعرفة أجواء الحج وأن فيه مشقة وزحام وتعب، وقد يتأذى من بعض إخوانه بسبب التدافع أو شم روائح كريهة تصدر من بعضهم أو تأخر الحملة لظرف ما.. أو يرى معاملة غليظة من البعض أو نحوها فيقابلها بالصبر والاحتساب والابتسامة وعدم الرد والتخلق بالخلق الحسن، وأن يمسك لسانه عن كل فحش وسباب، وهذا الذي يدعونا إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «من حج هذا البيت، فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه» [رواه البخاري].
4-الإستعداد الصحي:
وهو أخذ التطعيمات اللازمة والأدوية الضرورية ( حقيبة الإسعافات الأولية) خاصة عند ضربات الشمس أو استطلاق البطن أو الإعياء الشديد، وهذه الأمور ينبغي سؤال أهل الاختصاص فيها، كما ينبغي الحذر من أكل المطعومات التي يشك فيها والتأكد من أكل الطعام النظيف المغلف غير المكشوف، وينبغي أن أنوه أن الأطفال يحتاج لهم رعاية خاصة، فينبغي بل ويجب على الحاج توفير الحماية الخاصة بهم فهو مسئول عنهم مسؤولية كبيرة فلا يجب التفريط والتهاون بها.
5- الإستعداد بتحري الحلال والسنن:
وهو البعد عن كل مظاهر الشرك والبدع التي تخدش الحج مثل التمسح بأستار الكعبة بغية الشفاء والبركة أو بمقام إبراهيم أو الدخول في الزحام لدرجة الضرب لتقبيل الحجر الأسود، أو دخول النساء وسطهم وتلصقهم بالرجال كما رأينا ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقد ذكر العلامة الألباني رحمه الله في كتابه "حجة النبي صلى الله عليه وسلم" ص 105 بدع الحج وزيارة المدينة المنورة وبيت المقدس كما أنوه أن بعض الأخوة الموظفين من دول الخليج يأخذ إجازة مرضية وهو كاذب فيها من أجل الحج وقد أفتى سماحة المفتي وغيرهم من كبار العلماء بعدم جواز فعل ذلك، أو أن بعضهم يقصر في بيته أو أولاده من أجل حجة تطوع - زائدة- وقد قرر وكرر مراراً وتكراراً شيخنا العلامة أبو إسحاق الحويني مسألة المال الزائد عن حاجة الرجل الذي يرغب أن يحج حجة تطوع أو يزوج به مسلما أو يسد عنه دينه أو يطعم به أسرة جائعة فما هو الأفضل في حقه ؟ فبين فضيلته عظم أجر من سد دين أخاه المسلم أو ساهم في تزويجه أو أطعم أسرة جائعة أغناها عن ذل المسألة، لأن نفعها متعدي وهذه المسألة متقررة عند علماءنا الكبار بحمد الله وإن فتح الله عليه وهو المأمول أن يقدم بين يدي حجه هذه الأعمال لتزيده شرفاً ورفعة وبركة عظيمة على ماله وصحته .
6- الإستعداد الروحي الإيماني:
وهو إخلاص النية في هذا الحج لله تعالى بعيداً عن السمعة والشهرة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في تعريف الإخلاص لله: " المشايخ الصالحون يذكرون شيئاً من تجريد التوحيد وتحقيق إخلاص الدين كله: بحيث لا يكون العبد ملتفتاً إلى غير الله، ولا ناظراً إلى ما سواه، لا حباً له، ولا خوفاً منه، ولا رجاء له، بل يكون القلب فارغاً من المخلوقات، خالياً منها، لا ينظر إليها إلا بنور الله، فبالحق يسمع، وبالحق يبصر، وبالحق يمشي ..." وعليه التأمل والتدبر في كل موقف يراه ويشاهده، فهي لاشك مواقف مهيبة لا ينبغي إغفالها، وأسوق عبارة جميلة للسفير الألماني المسلم مراد هوفمن في أول حجة يحجها متأثراً بهيبة البيت العتيق حيث يقول ص 15 من كتابه " الطريق إلى مكة" : بدأنا بعد ذلك نطوف حول الكعبة .. التي يتجه إليها مليار من البشر في صلواتهم اليومية، ولم يغب عن خاطري طوال الطواف أننا نتوجه في طوافنا إلى الله، تذكرت أن هذا البيت كان في سنوات شباب محمد ( عليه السلام) مليئا بالأصنام ... إلى أن قال: وساعدني كتاب "أحمد فون دنفر " في ربط مناسك الحج ظاهرياً وباطنياً مادياً وروحياً إن التوجه إلى الله في الإسلام لا ينحصر في الروح فقط أو الجسد فقط ... فهو إما أن يكون هو كله حاضراً وإما ألا يكون حاضراً بالمرة وهذا نتاج التوحيد، ألا يمكننا القول إن الإحرام يشير إلى الموت، وإن الطواف يسلم المرء إلى الله ؟ أليست زمزم هي الحياة ويوم عرفة ألا يجعلنا نتوقع القيامة ؟ والمزدلفة هي الظلام الذي يسبق اليوم الجديد ؟ ومنى تمثل الوفاء من خلال نحر الأضحية ؟ وخلع ملابس الإحرام بمنى .. ألا تعني الحياة الجديدة .. ورمي الجمرات ألا يرمز لكفاح مدى الحياة ضد كل ما هو شر لكن توحيد الله هو محور الحياة..) . وأنا أدعو أحبتي لقراءة شيء من حج السلف والتابعين حتى تستنير بصائرهم وتشحذ هممهم .
7-الإستعداد الوقتي:
وهو أن يهيئ نفسه لاستغلال كل وقته بما فيه فائدة ونفع لنفسه أو غيره وألا يمضي وقته بفضول الكلام كالغيبة والسخرية بالناس والقيل والقال، وفضول النوم فيمضي أغلب وقته في النوم أو فضول الطعام فيكون وقته مشغول بأنواع الأطعمة والأشربة خاصة في الحملات غالية الثمن..، فلا ينبغي إهمال الوقت بل محاولة ملئه بما هو مفيد من ذكر وقراءة القرآن وحضور المحاضرات التي تنظمها الحملات والهيئات المختصة في هذا الشأن في المملكة العربية السعودية وفقهم الله تعالى للخير، بحسب" طريق الإسلام".
اقرأ أيضا:
كل الأخطاء مغفورة عند الله.. إلا هذا الذنباقرأ أيضا:
كيف تشكر الناس بطريقة تجعلهم أسرى في خدمتك؟