الخوف هو شعور ناجم عن الخطر أو التهديد المتصور، وجعله الله سبحانه وتعالى سمة رئيسة عند كل المخلوقات، بل فطرة سوية يحافظ بها أي مخلوق على وجوده وحياته، ولكنها تختلف عند البشر، لأن الخوف عند الإنسان يرتبط أكثر بأشياء تمس عقله الذيميزه الله به على سائر المخلوقات، فلم يتوقف الخوف عند الإنسان على مجرد تصور الخطر من أي تهديد يهدد حياته، ولكنه يرتقي إلى منزلة من منازل الإيمان، وأشدّها نفعًا لقلب العبد، وهي عبادة قلبيّة مفروضة، الخوف من الله تعالى، قال تعالى في سورة النازعات: "وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى
".
ووصف الإمام الغزالي الخوف: بإنه يقمع الشهوات، ويكدر اللذات، فتصير المعاصي المحبوبة عنده مكروهة، كما يصير العسل مكروها عند من يشتهيه إذا علم أن فيه سُمّاً فتحترق الشهوات بالخوف، وتتأدب الجوارح، ويذل القلب ويستكن، ويفارقه الكبر و الحقد و الحسد ، ويصير مستوعب الهم لخوفه، والنظر في عاقبته، فلا يتفرغ لغيره، ولا يكون له شغل إلا المراقبة و المحاسبة ، والمجاهدة ، والظنة بالأنفس، واللحظات.
وقد شكل الخوف عند النبي صلى الله عليه وسلم من ربه سمة مختلفة عن خوف باقي الأنبياء والبشر، فقد كان مع رجائه وتفاؤله ونهيه عن القنوط واليأس، شديد الخوف من الله حتى أنه كان يبكي حتى النحيب، خوفا من ربه، كما كان خوف النبي صلى الله عليه وسلم ليس مجرد شعور بتهديد أو تجنب التعذيب، ولكنه كان عبادة، عنده عليه الصلاة والسلام.
وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ.......﴾-حتى ختمها-, ثم قال: إنِّي أرى ما لا تَرَوْنَ، وَأسْمَعُ مَا لا تَسْمَعُونَ، أطَّتِ السَّماء – أي خرج منها صوت-, أطَّتِ السَّماء، وحُقَّ لَها أنْ تَئِطَّ، ما فيها مَوضِعُ قدم, إِلا وَمَلَكٌ وَاضعٌ جَبهتهُ لِلَّهِ سَاجِداً، والله لو تَعلَمُونَ مَا أعلَمُ؛ لَضحِكتُمْ قَليلاً، وَلَبَكَيْتُمْ كَثيراً، وما تَلَذَّذْتُم بِالنِّساءِ على الفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلى الصُّعُدَاتِ تَجأروُنَ إِلى اللهِ، لَوَدِدْتُ أَنِّي شَجَرَةٌ تُعضَدُ)).
أي لو تعلمون ما أعلم؛ مصير الخلائق, وقوفهم للحساب, لضحكتم قليلا وبكيتم كثيرا.
فهذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الخوف, الخوف علامة الإيمان, كما أن الرحمة في القلب علامة الإيمان.
و بقدر ما في قلبك من رحمة بقدر ما أنت متصل بالله, وبقدر ما في قلبك من خوف بقدر ما أنت تعرف الله, معرفته تنعكس خوفاً منه, والاتصال به ينعكس رحمة بخلقه.
كما ان الخوف مرتبط بالعلم؛ وكلما ازداد علمك ازداد خوفك من الله, وكلما قلّ العلم قلّ الخوف.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم((رأس الحكمة مخافة الله))[ رواه البيهقي عن عبد الله بن مسعود].
وأقل الناس خوفاً من الله أجهلهم، فالعلم والخوف مرتبطان, والخوف علامة علمك, أنت حينما تعرف أن الله عادل تخاف من بطشه:﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾.[سورة البروج الآية:12]
اقرأ أيضا:
الفرق بين الكرم والسفه.. بطون المحتاجين أولىخوفك دليل على إيمانك:
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سَبْعَة يظِلُّهمُ الله في ظِلِّهِ يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه, - والحديث معروف عندكم إلى أن وصل إلى ....- ورجل دَعَتْهُ امرأة ذاتُ مَنْصِب وجمال، فقال: إني أخافُ الله)).
فالخوف من الله وقوة الإيمان منع سيدنا يوسف من الوقوع في معصية امرأة العزيز،﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾ [سورة يوسف الآية:23].
بالرغم من أن هناك أكثر من اثنتي عشرة حالة تُعينه على أن يفعل ما طُلب منه مع امرأة العزيز.
شاب في ريعان الشباب؛ جميل الصورة, غريب, والغريب معه بحبوحة دائماً، الإنسان قد يسافر فإذا سافر لا يوجد عليه رقابة, والتي دعته سيدته, وليس من صالحها أن تنقل عنه الخبر.
فالذي يخاف الله عز وجل دليل أنه يعرفه, وأنت مؤمن بقدر ما تخاف من الله عز وجل, فالخوف من الله أمن، وورد عن رسول الله أنه: ((كَانَ رَجُل يُسْرِفُ على نَفْسِهِ, فلما حضرته الوفاة, قال لبنيه: إِذا أَنَا مِتُّ فَأحْرِقُونِي، ثم اطْحنوني، ثم ذَرُّوني في الرِّيح, فو الله، لئِن قَدَرَ عليَّ ربِّي, لَيُعذِّبَني عذاباً ما عذَّبَه أحداً، فلما مات فُعِل به ذلك، فأمر الله الأرض، فقال: اجْمَعي ما فِيكِ منه، ففعلتْ، فإذا هو قَائِم، فقال: ما حَمَلَكَ على ما صَنَعْتَ؟ قال: خَشْيَتُك يا ربِّ، أو قال: مَخَافَتُكَ, فغفر الله له))[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة].
اقرأ أيضا:
لو عايز تبقى مع النبي في الجنة.. داوم على هذه الأمور تكون رفيقًا لهعلامات الخوف من الله
يتبين في لسانه، فيمتنع من الكذب والغيبة وكلام الفضول ويجعل لسانه مشغول بذكر الله، وتلاوة القرآن ومذاكرة العلم.
أن يخاف في أمر قلبه، فيخرج منه العداوت والبغضاء والحسد الإخوان، ويدخل فيه النصيحة والشفقة للمسلمين.
أن يخاف في بطنه إلا طيبًا حلالًا، ويأكل من الطعام مقدار حاجته.
أن يخاف في أمر بصره، فلا ينظر إلى حرام، ولا إلى الدنيا بعين رغبة وإنما يكون نطره على وجه العبرة.
أن يخاف في أمر قدميه فلا يمشي في معصية.
أن يخاف في أمر يديه، فلا يمدن يده إلى الحرام، وإنما يمد يده إلى ما فيه طاعة الله.
أن يكون خائفًا في أمر طاعته فيجعل طاعته خالصة لوجه الله، ويخاف الرياء والنفاق، فإذا فعل ذلك فهو من الذين قال الله فيهم: ﴿وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾.