من أسوأ ما يمكن أن يمر به الإنسان، هو الوصول لمرحلة (أن يطبع الله على قلبه) والعياذ بالله، وهو أمر لا يحدث بالتأكيد لأمور بسيطة، ولكنه مع تكرار الأمر، مرة واثنين وثلاثة، فقد تكون نتيجته ذلك.. يقول المولى عز وجل في ذلك: «فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً » (النساء/ 155).
ومن ثمّ فالأمر يأتي على مراحل، يتركك الله فيها لتراجع نفسك، فإن أصررت عليها، كانت الطبعة الأولى، ثم الثانية، فالثالثة، ليكون اكتمل الأمر، وأنت بكامل إرادتك، فاحذر الوقوع في مثل هذه الأمور.
عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: « إِنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ ( كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) .
ترك الجمعة
من الأمور التي تطبع على القلوب في حال تركها، هو التغافل عن صلاة الجمعة، فعن أسامة بن زيد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من ترك ثلاث جمعاتٍ من غير عذرٍ كتب من المنافقين»، وعن أبي الجعد الضمري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ترك ثلاث جمعٍ تهاوناً بها طبع الله على قلبه»، ذلك أن الذنوب إذا تكاثرت، طُبع على قلب صاحبها ، فكان من الغافلين.
وفي ذلك يقول الإمام الحسن رضي الله عنه: «هو الذنب على الذنب حتى يعمي القلب ، حتى قال : وأصل هذا أن القلب يصدأ من المعصية ، فاذا زادت : غلب الصدأ حتى يصير راناً ، ثم يغلب حتى يصير طبْعاً ، وقفلاً ، وختماً ، فيصير القلب في غشاوة وغلاف ، فإذا حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة : انتكس ، فصار أعلاه أسفله ، فحينئذ يتولاه عدوه ، ويسوقه حيث أراد».
اقرأ أيضا:
التضرع إلى الله أكبر حكمة من الابتلاء.. به يستشعر المسلم ربوبية الخالق ويدرك مقتضى العبوديةالتعرض للفتن
فإياك وترك نفسك للفتن والشهوات، ذلك أنها مرة تلو الأخرى تتسبب في موت قلبك والعياذ بالله.
عن حذيفة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا ، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ : عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ».
وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: «والفتن التي تُعرض على القلوب هي أسباب مرضها ، وهي فتن الشهوات ، وفتن الشبهات ، فتن الغي والضلال ، فتن المعاصي والبدع ، فتن الظلم والجهل ، فالأولى : توجب فساد القصد والإرادة ، والثانية : توجب فساد العلم والاعتقاد».