تتوقف سعادة الإنسان، وهو يمضي في طريق البحث عنها، على بعض الأسئلة التي يسأل بها نفسه، وأهمها: "من أين نبدأ" وكيف، وما هي الأدوات التي في أيدينا، وكيف نطور من أنفسنا، وكيف ننجو من قبضة الشيطان، بعد أن زين لنا اليأس والقنوط من رحمة الله، وأثقل علينا بالشهوات.
ولكي يصل الإنسان إلى طريق السعادة، عليه أن يتطلع إلى الكشف عن الطريقة السليمة للتعامل مع مشكلاته الرئيسية، وحقيقة وجوده، في هذا الكون، ولماذا خلقه الله، وماهو المكلف به، وماهي سعادته الحقيقية.
فالإنسان مخلوق ضعيف، يتأثر بأي حدث سلبي، ويؤثر على سعادته، أصله من تراب وماء مهين، ومصيره إلى جثة هامدة، يقول الله تعالى ﴿ قُتِلَ الإِنْسِانُ مِا أَكْفَرَهُ. مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ. مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ. ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ. ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ﴾ [عبس: 17- 21].
ولقد كرم الله الإنسان على سائر المخلوقات الأخرى، قال تعالى ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ [الإسراء: 70].
ولكي يبدأ الإنسان في البحث عن طريق السعادة، يجب عليه أن يدرك الإنسان حقيقة وجوده، وتتطلع نفسه إلى التأمل في الحياة التي جُبل على التعلق بها؛ فهي الأساس الذي تقوم عليه كل ملذات الدنيا ومباهجها، وعليها يقوم الأمل في تحصيل ما ترغب فيه النفس وتميل إليه.
اقرأ أيضا:
كيف تستعد ارمضان من الآن؟.. تعرف على أهم الطرق والوسائلطرق تحقق بها السعادة:
يعد القرآن هو المصدر الرئيسي للبحث عن السعادة، وتقوم السعادة من القرآن على هذه المحاور، وهي:
1/ الحياة ليست إلا جسراً تمر عليه في طريقك نحو الآخرة، وهذه الدنيا في قصرها وسرعة زوالها لا تساوي شيئاً يذكر في جنب الخلود الذي سيعقبها، ثم إن الآخرة على امتدادها اللانهائي متوقفة على ما يكون عليه حال الإنسان في هذه الحياة الأولى.
2/ الإنسان في مرحلة امتحان دائم، وكل ما يراه من حوله من متع ورفاهية، وملذات، أو من مآسي، وجراح، وكوارث، فإن هذا كله ليس إلا أياماً قليلة سرعان ما تنقضي، وستوضع بكل ما تحتويه في كفة الميزان لتحدد مصيره الأبدي، قال تعالى ﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 64].
3/ لا تهون الحياة في نظر الإنسان، و لا يتجه لإعمار الأرض بالعلم، والعمل إلى التقشف وانتظار الموت.
قال تعالى ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61]، ﴿ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكُ ﴾ [القصص: 77]، ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ [النحل: 97].
4/ الحياة في نظر المسلم والمؤمن كنز ثمين يتوجب عليه استثماره، فهي في جوهرها لا تستحق من الاهتمام أكثر من كونها جسراً للسعادة الأبدية في الأاخرة.
5/ الإنسان مأمور بعدم التفريط في الحياة لقدسيتها، وقيمتها العظيمة عند الله، قال تعالى: ﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعَاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ﴾ [المائدة: 32].
6/ متع الدنيا ليست إلا زخارف تتزين بها لإغواء ضعاف النفوس، ولكنها لا تُكرَه أيضاً لِـذاتها إذا ما أحسن استخدامها ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ التِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يوْمَ الْقِيَامَة ﴾ [الأعراف: 32].
7/ ينتقل المسلم في فهمه للوجود، وهو الكون الذي يحوي كل الكائنات المحيطة به، ويبدأ التأمل فيه من قوله تعالى: ﴿ قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ [يونس: 101].
قال تعالى ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَة وَّبَاِطنَةً ﴾ [لقمان: 20]، ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَات لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونُ ﴾ [النحل: 12]، ﴿ هُوَ الذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15].
8/ الكون مسخر لك فلا تحزن، على فوات الرزق، أو ما تلاقيه من كوارث ونوازل قد تحل بك.