كثير من الناس للأسف يتصور أن ضياع الأبناء يتمثل في فشلهم في التعليم، أو عدم دخولهم الثانوية العامة، والالتحاق بالجامعة، أو ربما في مصاحبتهم لأصدقاء السوء، لكنهم وسط ذلك قد يتهاونون في أمر هو بالفعل (الضياع الأكبر)، إذ أنهم لا يدركون أن ذلك هو في البعد عن طريق الله عز وجل، وفي ترك الصلاة.
ذلك أن من سلك هذا الطريق وجد الله وحالفه النجاح والتوفيق، وابتعد كل البعد عن أصدقاء السوء، وكان ذلك سببًا في تميزه، لأن محافظته على صلاته لاشك هي النجاح الأهم، قال تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»، فهكذا اختار لنا الله عز وجل الطريق، فكيف بنا نختار غيره؟!.
هاجر وإسماعيل
نبي الله إبراهيم عليه السلام، لما ترك زوجته هاجر وابنه إسماعيل في الصحراء الجرداء، لم يدعو بأن يرزقهما الله الطعام والشراب، وإنما كان أساس دعائه أن يمنحهما الله الصلاة، قال تعالى: «رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ »، هذكا طلب من الله عز وجل (ربنا ليقيموا الصلاة )، ترك ذريته في مكان فارغ تمامًا، وليس به أي مأوى على الإطلاق، ولا زرعه ولا ماء، وكان دعاءه ( ليقيموا الصلاة ).
فقط خشي عليهم ألا يلجئون إلى الله عز وجل، وهو على يقين تام بأن هذا هو الشيء الوحيد الذي سيضيعهم فعلا، لا قلة رزق ولا فقد لكل مقومات الحياة .. وإنما هو أراد أن يربطهم بمصدر الأمان والرزق وهو الله عز وجل، بل ما هو أعظم من ذلك، هو رد السيدة هاجر التي قالت (آآلله أمرك بذلك)، فيقول نبي الله إبراهيم عليه السلام (نعم)، فتكون الإجابة العظيمة (إذن لن يضيعنا الله).
اقرأ أيضا:
أعاقب أطفالي بمنعهم من الأطعمة التي يحبونها.. هل تصرفي خاطيء؟المراد الحقيقي
وبما أن السيدة هاجر كانت تجري وهي شديدة الخوف، مع شعورها بالعجز والقلق على ابنها إسماعيل.. لكن بقلب مطمئن ومسلِّم أمره لله، فكانت النتيجة أن استجاب الله عز وجل لها، لأن مرادهم هو مراد الله.
قال تعالى: «فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ »، وهنا يكمل نبي الله إبراهيم دعاءه بأن يرحمهم الله عز وجل ويرزقهم من الثمرات لهدف : وهو أنهم يشكرون الله عز وجل على هذه النعم، لذلك فقد ختم الدعاء بخلاصة : «رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء ».
وهنا التسليم الكامل لله عز وجل، إذ عزيزي المسلم سلم أمرك كله لله، وأنت موقن في أنه لن يضيعك، فقط بأن تعلم أولادك ذلك، «رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ».