الدين الإسلامي دين سمح في تشريعاته واخلاقه يأمر بما يستطاع ولا يكلف أتباعه ما لا يطيقون حتى لا يقعوا في الحرج قال تعالى: "وما جعل عليكم في الدين من حرج..".
معنى التنطع في الدين:
ومن العجب أن يتعامل بعض المسلمين بسوء فهم فيكلفون أنفسهم بل وغيرهم ما لا يطيقون ويتشددون في الدين ويفرضون على انفسهم وأهليهم أمورا شديدة ويربطون كثرة العبادات بكثرة التدين ، وإل هذا المعنى أشار النبي صلى الله عليه وسلم : خُذوا منَ العَملِ ما تُطيقونَ؛ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا، قالت عائشةُ: وكان أحبُّ الصَّلاةِ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ما داوَمَ عليها وإنْ قَلَّتْ، قالت عائشةُ: وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا صلَّى صلاةً داوَمَ عليها.
لقد ذم الرسول صلى الله عليه وسلم التشدد والتنطع في الدين فإن العبد إذا فتح على نفسه هذا الباب فإن الشيطان يلبس عليه ويصرفه عن أداء حقوق واجبة ويحمله على تضييع حدود قائمة, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : هلك المتنطعون -قالها ثلاثا- رواه مسلم، يقول النووي مبينا معناي الحديث: أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم .
التنطع في الدين:
والتنطع يكون بالمبالغة في التعبد بأن يأخذ العبد من الفضائل ما لا يطيق , فدين الله يسر , وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحة.
فالدين الإسلامي دين يسر وسماحة يخفف على أتباعه فما معنى أن يشدد الناس على أنفسهم ؟! يقول أيضا صلى الله عليه وسلم : إن الدين يسر , ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه , فسددوا وقاربوا وأبشروا . رواه البخاري قال ابن حجر : والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلا عجز وانقطع فيغلب . قال ابن المنير : في هذا الحديث علم من أعلام النبوة , فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع وفي حديث ابن الأدرع عند أحمد : إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمغالبة , وخير دينكم اليسرة . وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعية , فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع.
من صور التنطع:
وصور التنطع في الدين كثيرة وكلها منهي عنها ومن هذ الصور ما ذكره ابن حجر العسقلاني رحمه الله معلقا على حديث "(هلك المتنطعون) بقوله: فرأوا أن فيه تضييع الزمان بما لا طائل تحته. ومثله الإكثار من التفريع على مسألة لا أصل لها في الكتاب ولا السنة ولا الإجماع، وهي نادرة الوقوع جدا، فيصرف فيها زمانا كان صرفه في غيرها أولى، ولا سيما إن لزم من ذلك إغفال التوسع في بيان ما يكثر وقوعه. وأشد من ذلك في كثرة السؤال البحث عن أمور مغيبة ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك كيفيتها. ومنها ما لا يكون له شاهد في عالم الحس، كالسؤال عن وقت الساعة، وعن الروح، وعن مدة هذه الأمة، إلى أمثال ذلك مما لا يعرف إلا بالنقل الصرف. والكثير منه لم يثبت فيه شيء فيجب الإيمان به من غير بحث وأشد من ذلك ما يوقع كثرة البحث عنه في الشك والحيرة".