الاستماع لمن يحدثك والانتباه.. عبادة من أرق العبادات.. هذه ثمارها
بقلم |
محمد جمال حليم |
السبت 28 ديسمبر 2024 - 01:35 م
ما معنى أن يتكلم الناس معك ويهتمون بك وأنت تحدثهم بينما أنت ولا تصغي لهم بل ولا تهتم بكلامهم، إن حسن الاستماع لمن يحدثك يعكس اهتمامك به وأدبك معه وهو بذلك يؤصل لحسن الأخلاق والأدب مع الناس. لا يتصور لأن يكون بينك وبين غيرك ود وأنت لا تستمع لكلامه إن حدثك ولا تهتم به إن تكلم معك والعكس إن استمعت إليه وأحسنت الاستماع فإن هذا يقرب كثيرا من وجهات النظر ويقلل الفجوات والمسافات بين الناس فضلا عما ينتجع ذلك من أفكار مشتركة ونتائج إيجابية.
الاستماع للغير من آداب الحديث:
إن من حقوق الغير عليك إن تكلم معك أن تستمع إليه وهذا من آداب الحديث المشترك بين وبين الناس؛ فحسن الاستماع من أهم صفات المتحدّث الناجح أن يتحلّى بحسن الاستماع للطرف الآخر، وأن لا يستأثر بالحديث طول الوقت، وعدم مقاطعة الحديث وعدم قطع فكرة الشخص المتحدّث، فضلا عن عدم المقاطعة حسن الظن بكلامه واستفهامك في الوقت المناسب عن المقصود وهكذا يكون الحديث مثمرا ونافعا وهكذا يكون الكلام وسيلة للنفع لا إضاعة الوقت.
بحسن الاستماع يحببك للناس: ومن ثمرات حسن الاستماع أن يجعل من يتعام معك يحبك ويحترمك لأنك تهتم بكلامه وتعيره انتباهك إن تكلم وبهذا يتوالد الحب والود الذي يكون سببا في الألفة بين الطراف إن الناس عادة يحبون من يستمع إليهم ويظهر اهتمامه بحديثهم ويقدر آراءهم. قال بعض الكتاب: (لم أجد أسهل جهدا ولا أحسن تأثيرا في تملك قلوب الناس من الإنصات إليهم، والإنصات إلى الناس يجذبهم إلينا وهو من أكثر الوسائل التي تظهر احترامنا للطرف الآخر). قال الشّعبيّ فيما يصف به عبد الملك بن مروان: والله ما علمته إلّا آخذا بثلاث... آخذا بحسن الحديث إذا حَدَّث، وبحسن الاستماع إذا حُدِّث، وبأيسر المؤونة إذا خولف. وقالت الحكماء: رأس الأدب كلّه حسن الفهم والتّفهّم والإصغاء للمتكلّم. و قالوا: من حسن الأدب أن لا تغالب أحدا على كلامه، وإذا سئل غيرك فلا تجب عنه وإذا حدّث بحديث فلا تنازعه إيّاه، ولا تقتحم عليه فيه ولا تره أنّك تعلمه، وإذا كلّمت صاحبك فأخذته حجّتك فحسّن مخرج ذلك عليه، ولا تظهر الظّفر به وتعلّم حسن الاستماع، كما تعلّم حسن الكلام. ومن عجيب أمر عطاء بن رباح رحمه الله ما أخبر به معاذ بن سعيد قال: كنا عند عطاء بن أبي رباح، فتحدث رجل بحديث فاعترض له آخر في حديثه، فقال عطاء: سبحان الله! ما هذه الأخلاق؟! ما هذه الأخلاق؟! إني لأسمع الحديث من الرجل وأنا أعلم به، فأريه أني لا أحسن منه شيئًا.
عدم الاستماع سبب الشقاء: إن مما كان سببا في شقاء الكافرين وبعدهم عن دين الله أنهم تواصوا بعد السماع لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم بل والأنبياء من قبله وأخبر عن أعدائه أنّهم هجروا السّماع ونهوا عنه. فقال: {وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ }(فصلت/ 26) . وقال تعالى عن قوم نوح: "جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارًا "، وقال: {وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ} فيما وصف الله تعالى المؤمنين بقول: {فَبَشِّرْ عِبادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ} (الزمر/ 17- 18) . وقال: {وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} (الأعراف/ 204) . وقال: {وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} (المائدة/ 83) . فالسّماع إذا وسيلة اتصال للقلب والعقل بقبول الكلام أو رفضه أما إن لم تسمعه فبأي شيء تحكم على كلامه فالسماع دليل على الخير، وعدم ذلك دليل على عدم الخير فيهم. فقال: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} (الأنفال/ 23)