مع الساعات الأخيرة من شهر رمضان نذكر بالغاية من الصيام فبقدر توفيق الله لك للعبادة في الشهر الفضيل على قدر ما اقتربت من الغاية منه وهي تحقيق تقوى الله التي من أجلها شرع الصيام، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون".
من جانبه يبين د. عادل هندي الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف أن الأخلاق بعامة غاية عظمى جاء اللإسلاملترسيخا والدعوة إليها بل إنه جزء مما بعث الله نبيه المصطفى من أجله، ولخَّصَه في قوله: (إنّما بعثت لأتمم صالح الأخلاق)..
ويضيف: حريٌّ بنا ونحن في شهر الصيام أن نتعلّم أجمل الأخلاق؛ فرمضان مدرسة الصائمين، ومدرسة لتعليم أحسن الأخلاق... وإنَّ فكرة رمضان تنحصر في أنه شهر التغيير، تغيير القناعات الزائفة، والخرافات الباطلة، والقدوات المضلّلة، والأخلاق البذيئة السيّئة. فالصائم يبحث عن تغيير الأخلاق الزائفة الفاسدة، فتخلية قبل تحلية، ووعي قبل سعي، وكيف قبل كمّ، أهداف للصائم الواعي العاقل. فما كان الصيام إلا لتربية الذات على جوانب الإيمان النظري والعملي على السواء؛ وذلك بالبعد عن الرذائل وترك المشتهيات النفسية والذاتية..
ويوضح أنه يمكن إيجاز الحديث حول ما يأتي:
أولا: بعثة النبي صلى الله عليه وسلّم بعثة أخلاقية في المقام الأوّل.
ثانيًا: الحكمة من تشريع كل العبادات إيجاد أثر أخلاقي وقيمي كريم، كالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والصيام يربي النفس المؤمنة على التقوى، والزكاة تطهر النفس البشرية من الغل والحقد والغرور والكبر والبخل، والحج يربي النفس على التقوى والمراقبة.
ثالثًا: مدرسة الصيام تربي الصائم على أكمل الأخلاق، ومنها ما يأتي:
ويلفت "هندي" إلى أن تحقيق مقصد التقوى: قال تعالى في ختام آية الصوم في سورة البقرة: (لعلكم تتقون)؛ فحينها يراقب الصائم ربه في كل قول وعمل وحركة وسكنة، فلا يفعل ولا يذر إلا وهو يرقب عين الله التي ترقبه وترصد عليه كل شيء، التحقق بالرحمة والعطف والإحساس بهموم الآخرين، فمن معه يشعر بمن ليس معه، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كُرب يوم القيامة.
ويشير إلى أن الصبر وكظم الغيظ، وحفظ اللسان: ومن المعلوم أن الصبر على أنواع، منه: الصبر على طاعة والصبر عن معصية، والصبر على أقدار الله تعالى، صبر يدفعه لاحترام صيامه وقيامه، واحترام قدسية شهر رمضان، وصبر يجعله قدوة في أخلاقه وكظم غيظه، وعدم إنفاذ غضبه على الآخرين، ولسانه يلهج بقوله (إني صائم .. إني صائم)؛ تذكرة لنفسه ولغيره، وفي الحديث الصحيح: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ".
كما أن العفة والحلم، فصيام الصائم عفة للسان والقلب والفرْج، وما كان الصوم للتأديب والعقاب مثلا؛ بل هو صورة من صور التعفف عن الحرام، كما التعفف عن المباحات أحيانا؛ تربية للذات على الحرمان.
أيضا الانضباط؛ فموعد سحوره وفطوره ثابت يجب الالتزام به؛ تعليمًا للأمّة على الانضباط في كل كبيرة وصغيرة.
وكذلك صيام الجوارح كلها: فاللسان صائم عن النطق بالزور والباطل والخبيث من القول، واليد لا تبطش فهي صائمة ولا تسفك دمًا ولا تمتدّ لمال حرام أو مالٍ عام للدولة والوطن، والرِّجل لا تمشي إلا إلى الحلال المباح، والعين لا تبصر ما حرّم الله.