كبائع الثلج، الذي يخشى (ذوبان) سلعته التي تمثل له كل رأس ماله، فإن شهر رمضان المبارك، يصل محطته الأخيرة، وكأنه كان ينادي علينا طوال الشهر الفضيل فيقول كبائع الثلج: «ارحموا من يذوب رأس ماله»، إلا أن أحدًا -للأسف- لم ينتبه، حتى فوجئ الجميع بأنه كان يتحدث جديًا، وكان يحذرنا فعليًا، إلا أن كثيرًا منا فوت عليه الأمر، فبات يحاول التمسك بآخر (تلابيب) الشهر الفضيل، علّه يلحق شيئًا ولو قليلا من فيضان نعمه وخيراته، فعجبًا لهؤلاء الذين تركوا (لوح الثلج) وهو على حاله كاملا لم تذب منه نقطة واحدة بعد، إلى العجلة في أن يلحق ولو بآخر نقطة ماء (ستذوب) لاحقًا شاء من شاء وأبى من أبى!.
أيام معدودات
الأساس يعلمنا الله عز وجل أن رمضان أيامه معدودات (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ» (البقرة 184)، ومع ذلك لم ننتبه إلا في آخر سويعاته.
وفي ذلك يقول أحد الحكماء: لقد قرأت سورة "العصر" عشرين عامًا ولا أفهم معناها، إذ كنت أفكر كيف يكون الأصل في الإنسان الخسران.. والله يؤكده بكل المؤكدات.. ثم يستثني الله الناجين من الخسران بصفات أربعة وهي (الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر؟)، إلى أن سمعت يومًا بائعًا للثلج ينادي على بضاعته مستعطفا الناس فيقول: (ارحموا من يذوب رأس ماله)، لأن الثلج ماء متجمد، وقطرة الماء التي تسقط لن تعود مرة أخرى، وهنا فهمت أن هذا هو معنى القسم في سورة "العصر"، بأن ما يفوت لن يعود أبدًا.
اقرأ أيضا:
"إلي مثواه الأخيرة " خطأ شرعي فتجنبه ..لهذه الأسبابرأس مالك
كن موقنًا عزيزي المسلم، أن رأس مالك في الدنيا هو عمرك، واللحظة التي تمر من عمرك لن تعود ثانية، فكل واحد منا يذوب رأس ماله، فلينتبه الجميع لرأس ماله، وهو الوقت الذي يحيا فيه.. قبل أن ينتهي الأجل، وللأسف برغم أن كثير منا قد منّ الله عز وجل عليه بإبلاغ شهر رمضان المبارك.
وعلى الرغم من كل ما في هذا الشهر من فضل ونعيم، إلا أن مر عليه كأن لم يكن، حتى فوجئ بأننا وصلنا السويعات الأخيرة، فيحاول أن يلحق بما يمكن اللحاق به، فلا يأخذ سوى بعضًا من قطرات الماء، بعد أن ذاب الشهر من بين يدين وهو لا يشعر!، قال تعالى يؤكد أهمية هذا الشهر العظيم: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» (البقرة 185).