ها هو رمضان يمر مسرعًا، وتقترب أيامه وإن شئت قل ساعاته من الانقضاء، فإذا كنت حافظت على الصلوات والصيام وإخراج الزكاة والصدقات في أيامه الأولى، فكيف بك في ساعاته أو أيامه الأخيرة؟.. عليك أن تزيد من كل ما كنت تفعله، فإذا كنت تصلي الفرائض فقط فعليك بالاهتمام بصلاة التراويح وقيام الليل والتهجد، وإن كنت تقرأ جزءًا من القرآن في اليوم، فليكن جزأين، وإن كنت تخرج بضع جنيهات صدقات أو زكوات، فتكن أكثر وأكثر.
في صحيح مسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيره»، وفي الصحيحين عنها أيضًا: «كان إذا دخل العشر شد المئزر، وأحيا ليله، وأيقظ أهله»، فهلا تقيدت بسنة حبيبك المصطفى وسرت على نهجه خلال هذه الأيام!.
أفضل الليالي
الليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل ليالي العمر على الإطلاق، أجمعها للخير، وأعظمها للأجر، وأكثرها للفضل.. فيها عطاء جزيل، وأجر وافر جليل، اقترن فيها الفضل بالفضل، فضل الزمان مع فضل العبادة مع فضل الجزاء، ففيها النفحات والبركات، وفيها إقالة العثرات واستجابة الدعوات، وفيها عتق الرقاب الموبَقات.
وأما المقصود بأن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم كان أشد ما يكون اجتهادًا في هذه العشر الأواخر، بأنه ينبغي على المسلم أن يتخفف من المباحات ويقلل من أوقات الأكل والنوم ليفسح للطاعات مكانًا، ويواصل عبادته بالليل والنهار تقربًا إلى الله وتشبثًا بأسباب المغفرة.
اقرأ أيضا:
لحظات عصيبة.. هذا هو ما يحدث عند سكرات الموت فكيف تهونها على نفسك؟ليلة القدر
أما الهدية الأكبر في العشر الأواخر فهي لاشك ليلة القدر، ولمّ لا وهي ليلة القرآن والأمن والسلام، قال تعالى: «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ . سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ»، ولكن من رحمة الله أن خبأها في هذه العشر، وجعلها على أغلب الظن في ليالي الوتر منها، حتى نكثر من التعبد، وهي ليلة العمر كله.
في البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»، وروى أحمد والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شهر رمضان فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم»، ولك أن تتخيل عزيزي المسلم عبدًا قام لله ليلة واحدة كانت له كعبادة ألف شهر، أو ما يعادل ثلاثة وثمانين سنة، فأي فضل هذا وأي نعمة تلك؟!، فمن حرم خيرها فهو المحروم، وقد خاب وخسر من أدرك هذا الفضل ولم يغفر له.