أيام قليلة على انتهاء شهر رمضان الكريم، وقد امتلأت حياة المؤمنين بالعبادة وقيام الليل والصيام والصدقات وقراءة القرآن، طوال هذا الشهر، لكن سرعان ما ينخلع كثير من الناس عن طاعتهم بعد رمضان، لذلك روت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "سَدِّدوا وقارِبوا واعلموا أنه لن يُدخِلَ أحدَكم عملُه الجنَّةَ وأنَّ أحبَّ الأعمالِ إلى الله أدومُها وإن قَلَّ".
ماذا تعلمت؟
ومعنى كلمة سَدِّدُوا"، أي: اقصِدُوا الصَّواب ولا تُفْرِطُوا؛ فتُجهِدُوا أنفُسَكم في العِبادةِ؛ لئلَّا يُفضيَ بكم ذلك إلى المَلَل، فتترُكوا العملَ فتُفَرِّطُوا، "وقارِبُوا"، أي: إنْ لم تَسْتَطيعوا الأخْذَ بالأكْمَلِ، فاعْمَلوا بما يقرُبُ منه، "واعْلَمُوا أنَّه لنْ يُدْخِلَ أحَدَكُم عَمَلُهُ الجنَّةَ" يعني أنَّ الطاعاتِ التي تقومون بها، ليست عِوضًا وثَمنًا للجنَّةِ، ولا تُساويها، فالجنَّةُ سِلْعةٌ غَاليةٌ لا يُكافِئُها عَمَلٌ، وإنما تَدْخُلونها برَحْمةِ الله.
ورحمة الله سلعة غالية مكافئها الوحيد هو الإخلاص لله تعالى، وقد اقترب شهر رمضان على الرحيل، لذلك يجب على المسلم أن ينظر ماذا استفاد من شهر رمضان خلال عبادة شهر كامل؟، هل امتلأ قلبه بالإخلاص لله تعالى؟، هل جدد نيته على ألا يعود للمعاصي أبدا، أم أنه ينتظر قدوم عيد الفطر ليتحلل من عبادته؟ ويبدأ في العودة للمعصية مرة أخرى؟، هل يفرح المؤمن بعد مضي شهر رمضان بتدريب جسده وروحه وعقله على الطاعة؟ ليبدأ في الاستمرار بعد رمضان؟ أم يفرح بمضي رمضان وعبادته وكأنه هم زال عنه وكأنه كان سجينا داخل طاعته وعبادته وليس متحررا بها لله عز وجل؟.
اظهار أخبار متعلقة
الإخلاص عنوان رمضان
جعل الله تعالى الإخلاص هو عنوان شهر رمضان المعظم، وجعل الله تعالى الصيام سرا بين العبد وربه، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغ عن رب العزة في حديث قدسي: " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به".
لذلك الإخلاص من الدروس الغالية التى تتعلمها النفوس بالصوم، لأن الصوم سر بين العبد وربه جل وعلا، لذلك كان الإمام أحمد يقول: «الصوم لا رياء فيه»، ويأتى رمضان ليضعنا أمام حقيقة عظمى وقيمة كبرى من قيم عبادة الصيام، تتمثل فى كونها العبادة التى يمكن أن تخلُص تماما من آفة الرياء والسمعة، لأن المرء يستطيع أن يفطر بعيدا عن أنظار الناس! ولكنه يحافظ على صومه لله تعالى مخلصا محتسبا الثواب، ولعل هذا السر فى جعل تقدير ثواب الصيام لله تعالى دون سائر الأعمال، فلا يصوم إلا المخلصون التاركون لطعامهم وشرابهم وشهوتهم من أجل طاعة ورضا الله تعالى وحده دون سواه، ولما كان الصوم كله خالصاً لله لا تشبه شائبة الرياء نسبه الله تعالى إلى نفسه وتكفل بالجزاء عليه، فقال تعالى فى الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لى وأنا أجزى به».
فتربية النفوس على الصدق والإخلاص لله تعالى من أعظم المأمورات الشرعية، فهل سألت نفسك على ربيتها على الإخلاص في هذا الشهر؟، أم أنك من الذين كانوا ينظرون لرمضان بقول: " اللهم بلغنا شوال"، نظرا لثقل العبادة عليهم، وأمنيتهم في أن يزول هذا الهم بحسب تعبيرهم من على قلوبهم.
اقرأ أيضا:
"إلي مثواه الأخيرة " خطأ شرعي فتجنبه ..لهذه الأسبابتصفية النفوس عبادة رمضانية
فرمضان ماهو إلا تدريب عملي على تصفية النفوس، وقد حرص الإسلام على تصفية النفوس وتنقيتها من كل ما يشوب صدقها وإخلاصها لباريها، وجعل لنا هذا الدين من الأسباب والوسائل المُعِينَة على تحقيق ذلك الصدق والإخلاص؛ فكان من تلك الأسباب والوسائل: الصيام.
فإنه لمَّا كان الصدق والإخلاص شأنه عزيز في دين الإسلام، امتاز الصيام بهذه الخصيصة ألا وهي تصفية النفوس والإخلاص لله تعالى، فحاجة النفس للإخلاص أشد من حاجة الجسد للطعام والشراب والهواء، فالإخلاص من أهم أسباب تزكية النفوس وطهارتها ونجاتها يوم القيامة، فكل طاعة أو عمل نرجو جزائه عند الله تعالى لابد له من إخلاص يبعده عن النظر للمخلوقين ويوجهه للخالق جل وعلا، وبذلك يكون له عند الله القبول والمثوبة، فهو ركن من أركان العمل وشرط من شروط قبوله، قال تعالى: «فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً و لا يشرك بعبادة ربه أحدا» الكهف: 110.
فالإخلاص روح أى عباده، عليه تقوم، وبه تقبل عند الله عز وجل ، فالأمة المسلمة لا تنصر إلا بإخلاص أبنائها، والود والحب والألفة بين المسلمين لا تكون إلا بالإخلاص، فلا يجتمع غل مع إخلاص فى قلب المسلم أبدا.
والجنة فى الآخرة لا تكون إلا بالإخلاص، فيقول تعالى فى شأن طائفة من المخلصين، قال تعالى: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا 8 إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا 9 إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا 10 فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا 11 وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا 12 مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ۖ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا 13...."سورة الإنسان".
هذا لا يتحقق إلا مع وجود إخلاص في العبودية لله تعالى، الذي قال: «وَمَا أُمِرُواْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ»، وقال: «فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّين»؛ فعُلِمَ من ذلك أن ارتباط العبادة بالإخلاص قضية كبرى، يجب على كل مسلم أن يتفهَّمَها فهمًا جيّدًا.
وإنَّ المتأمِّل في الفرق بين الصائم والممسك عن طعامه؛ يرى أن الصائم إنما عَلَتْ رُتبته، وسَمَت منزلته؛ بقصده أن يكون ذلك الإمساك ابتغاء وجه الله -تعالى-، وهو الإخلاص المقصود في النصوص الشرعية، فكان الفارق بينهما تلك النية التي جعلت للصائم من الثواب ما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه: «عليك بالصوم؛ فإنه لا عِدل له».
وفي الحديث القدسي: «يَدَعُ طعامه وشرابه وشهوته من أجلي»، تَجِدُ ههنا معنى جليلاً؛ وهو أن الصائم يترك من الأشياء ما هو أكثر ملازمةً له في يومه وليلته، وهو الطعام والشراب والشهوة، رغم حاجته إليها، ولكنه إنما تركها لله تعالى، فقال -سبحانه-: «من أجلي»، فكان الصائم في ذلك إنما مراده ومقصوده أن يحصل له الرضا من ربه تبارك وتعالى، فكان لأجل ذلك الرضا قد هان عليه أن يكسر حظوظ نفسه وحاجتها من الطعام والشراب والشهوة، قاصدًا بذلك وجه ربه تبارك وتعالى.
فهل ستترك الحرم بعد رمضان من أجل الله أيضا؟ وتحافظ على إخلاصك لله طوال الشهر بعد انتهائه وحتى طوال العام، أم ستكون من الذين يقولون: " اللهم بلغنا شوال".