كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان، فكان أجود بالخير من الريح المرسلة، أي أسخى ببذل المال من الريح المرسلة، وكان جوده صلى الله عليه وسلم يتضاعف في شهر رمضان على غيره من الشهور كما أن جود ربه يتضاعف فيه أيضاً .
ودل مضاعفة النبي صلى الله عليه وسلم للجود والكرم والصدقة في شهر رمضان على شرف الزمان ومضاعفة أجر العمل فيه، ونبه أيضا على أسرار الصدقة في الأيام العشرة الأخيرة من رمضان، وقد جاء في الترمذي عن أنس: (أفضل الصدقة صدقة في رمضان) كما قال صلى الله عليه وسلم: إنما يرحم الله من عباده الرحماء فمن جاد على عباد الله جاد الله عليه بالعطاء والفضل، والجزاء من جنس العمل، ومنها أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة كما في حديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة غرفاً يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن طيب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام .
وشهر رمضان من أشهر الخير، ويستحب فعل الخيرات وخاصة في العشر الأواخر من رمضان، فالصدقة في رمضان عامة وفي العشر الأواخر منه أفضل من أي وقت، فقد أجمع العلماء على ذلك واتفقوا أن العمل الصالح يكون أفضل كلما جاء في العشرة الأواخر، ولأن العشر الأواخر من رمضان تتميز بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فمن تصدق بدرهم واحد في هذه الليلة المباركة كأنما تصدق بثلاثين ألف درهم.
والصدقة في هذه الأيام باب من أبواب البر، وقد جاءت لترفعه الهمم وترفع درجات المسلم عند الله تعالى، والصدقة لا تقتصر فقط على تقديم المساعدة من الغني للفقير، بل من الفقير للفقير أيضا وهي ما تعرف بالإيثار وهو تفضيل الغير على نفسك، وكل هذا له أجور عظيمة عند الله، والأجر أجران للمتصدق، أجر في الدنيا وآخر في الآخرة.
اقرأ أيضا:
بشريات كثيرة لمن مات له طفل صغير.. تعرف عليهاكما أن الصدقة من أحب الأعمال إلى الله تعالى وأفضلها، فالعبد يتقرب إلى الله تعالى بالصدقات، لذلك جعلها الله عز وجل سر البركة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” ما نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ “.
وقال تعالى: “يمحق الله الربا ويربي الصدقات”.
فالصدقة تفتح باب رضا الله على المؤمن والفوز بمكانة عظيمة، والصدقة تطفئ غضب الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” صدقة السر تطفئ غضب الرب “.
والمتصدق يفوز بظل عرش الرحمن يوم القيامة، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:” سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه مُعلَّق بالمساجد، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه”.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملَكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ مُمسكًا تلفًا “.
كما أن الصدقة تزيد من الحسنات وتحط من السيئات وتكفر الذنوب، وسبب في دفع البلاء وإزالة الهم والكرب والغم.
وفتح الله لعباده من أبواب العفو والصفح والتوبة والمغفرة ما لا يكون في غيره، ويهيئ لهم من الأسباب ما يعينهم على ذلك في هذا الشهر، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ" .
ومن جوده تعالى عليكم في هذا أن الله جعل الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فانه يصب على أهله العطاء صبا عن أبي هريرة رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَالصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ" ، فما بالك إذا أكثرت من الصدقات ومساعدة الفقراء وأنت صائم.
فن تنالوا البر و لن تنالوا الجنة إلا بالبذل و العطاء،قال أنسٌ: فلمَّا نزلت هذه الآية: ﴿ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92] قام أبو طَلْحَة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ الله يقول في كتابه: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ، وإنَّ أحبَّ أموالي إليَّ بير حي، وإنَّها صدقةٌ لله، أرجو برَّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث شئت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بخٍ ذلك مالٌ رابحٌ، ذلك مالٌ رابحٌ، قد سمعتُ ما قلتَ فيها، وإنِّي أرى أن تجعلها في الأقربين))، فقسمها أبو طَلْحَة في أقاربه وبني عمِّه.
فالواجب علينا في هذه الأيام المباركة أن نبحث عن الفقراء و المساكين و نسأل عن اليتامى و الأرامل لنخفف عنهم لوعة الفقر و البأساء فلن ننال ما عند الله من نعيم و لن نرافق سيد الأولين إلا بمواساة هؤلاء، فعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: أنا و كافل اليتيم كهاتين في الجنة هكذا و أشار بالسبابة و الوسطى "رواه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "السَّاعي على الأرْمَلَةِ، والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله - وأحْسِبُهُ قال - وكالقائم لا يفْتُرُ، وكالصائم لا يُفْطِرُ".